وتطلعت الفتاة إلى وثيقة التخصيصات بلحظة خاطفة، وكلمتني «إن جشع صديقك لم يبق له حقا بالشراء إلا حذاء واحدا «ومشمعا». قلت للماجور: «لعلك في حاجة إليهما.»
فمد قدمه يريني حذاء بنيا جديدا، وأشار إلى مشمع يحمله على زنده وأجاب: «لقد اشتريت هذين أمس وعندي في الخيمة سواهما.»
وقاست الفتاة قدمي وقامتي بلحظة خاطفة ثانية، وجاءتني بسرعة البرق بشمع قياس 42 وحذاء بقياس ؛ فنقدتها 11 دولارا، وحملت ما ثمنه في المدينة 120 دولارا. وراح الماجور يشوقني إلى شراء أغراض ثانية مباحة كمياتها ولا ترتبط بوثيقة مخصصات، فرفضت شاكرا؛ فإن آداب السلوك في «بعقلين» لبنان، هي أن لا تشبع على مائدة مضيفك مهما برح بك الجوع.
وكان رفيقي من أولئك الذين تزخر معلوماتهم فتطوف عن ألسنتهم فتفرق عشراءهم؛ إذ ما أسرع ما سمعت الماجور يقول: «أنت من العنصر السامي بلا ريب. انظر إلى قامتك فهي في طول قامتي وعرضها، كلانا في قياس 42، أما حذاؤك فهو قياس ، في حين أني ألبس . إني أراهن أن ساقي أعلى من ساقك.» وكشف بنطلونه ودعاني إلى المقايسة، فوجدته صادقا؛ إذ إن ركبته علت ركبتي بنحو قيراط. وعاد الماجور إلى دلق المعلومات: «لا عجب فأنت سامي وأنا إنكلوسكسوني. أما هذه الفتاة فهي أسوجية الأصل، وإني أراهن أن ساقها أطول من ساقي مع أنها امرأة.» فدارت الفتاة حول الحاجز الذي يفصلها ووضعت قدمها قرب قدمينا وحسرت عن ساقها إلى همامة فخذها، فبانت ركبتها أعلى من ركبة الماجور بنحو نصف قيراط. وكأنما رفيقي رأى ما أرعبه، فجس «بطة» ساق الفتاة وصاح: «حذار! فقد ضخمت بطة ساقك واشتدت وإن هذا في المرأة لعيب، خففي من الألعاب الرياضية.»
فأجابت الفتاة مشمئزة: «كذب وبهتان. إن ساقي جميلتان! ليس من فتى في الجيش لم يهنئني على هندامهما. كذلك لن أنقطع عن العتلتة.»
ودارت نحوي ودعتني لأن أجس: «قل لصديقك هذا الخبيث إن كانت بطة ساقي ضخمة العضلات.» فلمست ساقها لمسة خفيفة وابتسمت متأدبا شأن الغريب لا يود أن يشترك في جدال بين صديقين.
وحين صرنا في الباب منصرفين، التفت الماجور إلى خلفه وسأل: «ماذا تفعلين هذه الليلة؟» أجابت: «اسأل الليوتنان سمث، هو الذي يخرج بي هذه الليلة.»
فغمز رفيقي بعينيه وصاح: «بعض الفتيات محظوظات.» أجابت صديقته بعد أن أخرجت لسانها ساخرة: «بعض الضباط طوال الألسنة!»
وحين صرنا في الشارع، فاضت معلومات الماجور ثانية فجدد ملاحظاته الفلسفية: «إن الذين لا يفهمون الأميركان يعيبوننا بأمور نحن منها براء. إن دعابتنا مع النساء طاهرة ليس فيها لؤم الفجور، فلسنا نحسب أعضاء الجسم مما يحرم ذكره أو لمسه.» أجبت متلعثما: «صدقت، لقد عايشت الأميركان وخبرتهم.» واحمر وجهي. تراه لاحظ كيف بلعت ريقي وارتعشت أناملي حينما لمست تلك الساق؟ وأردت الافتراق عنه، فجرني إلى مطعم عبر الشارع وأصر على أن أشاطره زجاجة بيرة، فجلسنا نتحدث كثر من ساعة استهلكنا خلالها زجاجات لا زجاجة واحدة. ولم يشأ إلا أن يدفع عني، فشكرته. وودعني معتذرا، شاجبا قوانين الجيش التي تغل يديه عن خدمتي وتسهيل أمر استخدامي.
ووقفت في عتمة ذلك الشارع - خارج الرستوران - وقد بدأ المطر يقع رذاذا، فوضعت المشمع على كتفي من غير أن أرتديه، وكانت أوركسترا المطعم تعزف لحنا خافتا، وفي نفسي ظلمة أشد حلكا من عتمة الشارع، وفي قلبي وحشة وغمرة حزن.
অজানা পৃষ্ঠা