نص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم
كتاب الجهالات (¬1)
[ الدليل على أن الإنسان مخلوق ]
إن سأل سائل فقال : ما دليلك على أنك مخلوق ؟
فقل : دلني على ذلك حدثي بعد إذ لم أكن شيئا، وحاجتي إلى غيري، وتقلب الأشياء في وفي غيري.
فإن قال : وما في ذلك ما يدلك ؟
فقل : وكيف لا يكون ذلك لي دليلا وقد وجدت نفسي تنزل بها الأشياء على كره مني لا أستطيع دفعها ولا الامتناع منها.
فإن قال : فهل تعرف الذي أنزل بك هذه الأشياء على كره منك ؟
فقل : نعم، فإن قال : فهل رأيته؟فقل : لا.
فإن قال : فهل لمسته ؟فقل : لا.
فإن قال : فهل شممته ؟ فقل: لا. فإن قال : فهل ذقته ؟ فقل : لا.
فإن قال : فهل سمعته ؟ فقل : لا. فإن قال : فهل أدركته بشيء من هذه الحواس الخمس؟ فقل: لا.
¬__________
(¬1) وعنوان الكتاب في المتن هو : "هذا كتاب متن الجهالات في علم التوحيد"، رضي الله تعالى عن مؤلفه ونفعنا ببركاته آمين آمين.
পৃষ্ঠা ১১
فإن قال : فكيف عرفت ربك هكذا ؟ فقل : نظرت إلى هذا الخلق فوجدته ذليلا مقهورا مغلوبا مربوبا، فعلمت أن له عزيزا أذله وأن له قاهرا قهره، فعلمت أنه ربه وأنه { ليس كمثله شيء } (¬1) .
فإن قال : فمن أين تنكر أن يكون مثله شيء ؟
فقل : من قبل ما احتمل هذا الخلق من الحاجة والزيادة والنقصان فلذلك علمت أنه ربه وأنه "ليس كمثله شيء" لأنا إذا زعمنا أنه خالق ومثله مخلوق فقد شبهناه بخلقه، فمن ها هنا فسد أن يكون شبهه شيء.
[ الدليل على معرفة الله وأنه غير مشبه لخلقه ]
فإن قال : أخبرني، عن هذا الذي وصفته أنك إنما تعرفه بخلقه أين هو ؟
فقل : إنما يقال أين ومتى وإلى/[2] في المخلوقين. فتقول : أين وأنت تعني بقولك أين مكانا دون مكان.وتقول : متى، فيقال لك : منذ عام أو عامين، أو شهرا أو شهرين، أو يوما أو يومين، ونحو ذلك والله يتعالى عن هذه الصفات.
[ الفرق بين الواحد من البشر والواحد (الله) ]
فإن قال : أخبرني عن إلهك الذي وصفته أنك إنما تعرفه بغير ما عرفت به الخلق الذليل المقهور المربوب أواحد هو ؟
فقل : نعم. فإن قال : وأنت واحد أيضا فقل : نعم.
¬__________
(¬1) **) سورة الشورى : 11.وجوابه هنا هو أن الإنسان إنما عرف ربه بخلقه وتدبيره وصنعته ، وذلك أنه نظر إلى الخلق فوجده ذليلا ، فعرف أن له مذلا عزيزا أذله ، ووجده مقهورا فعرف أن له قاهرا يقهره ، لأن الذليل المقهور ، المغلوب المربوب ، لا يكون عزيزا مذلا لغيره ، ولا قاهرا ، ولا غالبا ، ولا ربا . ولما كان الخلق مقهورا ، كان الخالق قاهرا.فعرفوا بهذا المعنى أن الخالق لا يكون في صفة الخلق .
পৃষ্ঠা ১২
فإن قال : ما الفرق بين الواحدين ؟ فقل : أنا واحد من عدد بأجزاء وأقطار وطول وعرض، والله واحد لا من عدد ولا بجزء ولا تأليف، ولا يوصف بالعرض ولا بالطول، والله يتعالى عن هذه الصفات (¬1) .
فإن قال : الله حي ! فقل : نعم. فإن قال : وأنت حي فقل : نعم. فإن قال: ما الفرق بين الحيين ؟
فقل : أنا حي بعد موت تقدم والله حي لا بعد موت تقدم، وأنا حي على ما يعقل من حركة وسكون، والله تبارك وتعالى حي لا على ما يعقل من حركة وسكون.
فإن قال : وما دليلك على أنه حي ؟
فقل : نظرت إلى هذا التدبير المحدث من إتيان الليل والنهار واختلافهما وتفريق حالاتهما وما يأتي من الأمطار وحدوث الثمار فعلمت أنه لا يحدثه ميت (¬2) .
¬__________
(¬1) - إن المؤلف هاهنا قد فرق في جوابه بأن قال : أنا واحد من عدد ، يريد من عدد هذا الناس ، وهذا الخلق بأجزاء ، وهو في ذلك في نفسه متجز ذو أجزاء كثيرة من واحد، فوصف نفسه في معنى الواحد بصفتين كلتاهما غير جائزتين على الله - عز وجل - بالعدد أو بالانعداد فهو مشرك .
(¬2) - والدليل على أن الله حي ، ما يوجد من أفعاله - عز وجل - ، والفعل لا يظهر إلا من حي كما قال صاحب الكتاب .
পৃষ্ঠা ১৩
فإن قال : أربك صادق ؟ فقل : نعم، فإن قال : ومحمد صادق، فقل : نعم. فإن قال : ما الفرق بين الصادقين (¬1) ؟
فقل : محمد النبي صادق لرجاء ثواب وخوف عقاب، والله صادق لا لرجاء ثواب ولا لخوف من عذاب.
فإن قال : الله عدل، فقل : نعم، فإن قال : ومحمد عدل، فقل: نعم، فإن قال : ما الفرق بين العدلين ؟ فقل : الجواب فيهما كالجواب في المسألة الأولى (¬2) .
[ صفة السميع (الله) وصفة السميع (الإنسان) ]
¬__________
(¬1) - : نعم فقد وصف الله نفسه في كثير من آياته بأنه صادق . والصدق صفة لله - عز وجل - لم يزل موصوفا به ، وذلك على نفي الكذب عنه جل جلاله ، والكذب من أخس صفات الخلق ، ولا يكون الكذب من فاعله إلا لرغبة أو لرهبة ، وكلتاهما عن الله منفيتان، لأن القول في العدل كالقول في الصدق ، وقد يكون العدل صفة وغير صفة كما أن الصدق والتصديق والكذب والتكذيب فكل ما جاز في الصدق فهو جائز في العدل. أما العدل في اللغة فهو الاستقامة ، كما أن الجور هو الميل. لأن الخوف والرجاء سوطان زاجران للعباد لأن الخوف زاجر عن فعل المعصية ورادع عنها والرجاء داع إلى عمل الطاعة وباعث عليها ، وأما الخوف فضده الأمن ، كما أن الرجاء ضده اليأس .
(¬2) - لأن القول في العدل كالقول في الصدق ، وقد يكون العدل صفة وغير صفة كما أن الصدق صفة وغير صفة. والقول في العدل والتعديل والجور والتجوير كالقول في الصدق والكذب والتكذيب . فكل ما جاز في الصدق فهو جائز في العدل ، الخ ، فناظر كل واحد من هذه المعاني بنظيره تجده كما قال صاحب الكتاب . والعدل هو أصل من أصول الدين عند جميع المتكلمين ، ومعنى العدل في أصول الدين : أن الله - عز وجل - سمى نفسه عدلا ووصف نفسه بذلك . وأجمع المسلمون على أن الله عدل لا يجور في حكم ولا يظلم في فعل .
পৃষ্ঠা ১৪
فإن قال : أربك سميع ؟ فقل : نعم. فإن قال : وما معناك سميع ؟ فقل : إثبات أنه غير أصم. فإن قال/[3] وأنت أيضا سميع !فقل : أنا سميع بجزء من أجزائي وجهة من جهاتي، وأنا سميع بعد أن كنت أصما وهو قبل الطفولية وحال النطفة والعلقة. وأنا في تلك الحال لا يجري علي فيهما اسم سميع ولا اسم أصم لأني فيها غير سميع ولا أصم، ثم نقلت إلى غير تلك الحال إلى حال الأموات. ولا يجوز أن يقال لي : سميع ولا أصم في حال الطفولية، النطفة والعلقة والمضغة ، وذلك عن الله منفي، وحالي التي كنت فيها سميعا وأصما عن الله منفية، وحال الموت بعد الحياة عن الله منفية. وأنا سميع بعد هذه الأحوال وبعد هذه الجهات. والله تبارك وتعالى لا يجري عليه ما يجري علي من هذه الأشياء، فهو سميع بمعناه لا بجزء يدرك به الأصوات ولا ببصر يدرك به الألوان والأشخاص، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. لأنه لو كان به ذلك لوقع التغاير في المعبود فيقال هذا الجزء غير هذا الجزء وهذه الجهة غير هذه الجهة فيستحيل ذلك. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (¬1) .
¬__________
(¬1) - أخذ المؤلف في التفرقة بين سميع وسميع لأن معنى سميع في صفة الله - عز وجل - مثل معناه في صفة الخلق ، فلذلك سبق المؤلف إلى الجواب قبل أن يسأل عنه ، وذلك لو أن أحدا سمع قائلا يقول : إن الله - عز وجل - سميع ، فيوهم أن معنى ذلك على ما يجوز في صفة الخلق أو شك فيه ولم يعتقد أن السميع في صفة الله - عز وجل - على خلاف ما هو في صفة الخلق كان مشركا بذلك جاهلا بصفات ربه - عز وجل - .
পৃষ্ঠা ১৫
فإن قال : الله بصير ؟ فقل: نعم. فان قال:وأنت أيضا بصير فقل نعم . فان قال : ما الفرق بين البصيرين؟ (¬1) .فقل : الجواب فيهما كالجواب في المسألة الأولى.
فإن قال : فالذي وصفته بهذه الصفات أين هو (¬2) ؟
¬__________
(¬1) - لقد صدق صاحب الكتاب ، لأن الجواب على هذا السؤال كالجواب في المسألة السابقة، فالجواب في مسألة البصر كالجواب في مسألة السمع حرفا حرفا ،على مثال ما ذكر الكاتب في مسائل السمع ، يكون الجواب في مسائل البصر . غير أن أوزان الأفعال= =والمصادر في لغة العرب تختلف في ذلك . فمن نظر في هذا الوجه عرفه إن شاء الله .
(¬2) - سيجيب المؤلف عن هذه الأسئلة بعد هذا .
পৃষ্ঠা ১৬
فقل : سألت عن هذه المسألة قبل هذا فأجبناك، فإن كنت غير قانع فاسأل تجب إن شاء الله. إن كنت تريد بقولك أين هو في مكان دون مكان هو فيه ساكن، فالله يتعالى عن السكون في الأماكن. وإن كنت تريد أين هو على إنفاء السكون والحواية والتمكن، فإنه في كل مكان وبكل مكان،لا على الحواية والتمكن والسكون. وليس كشيء في شيء،/[4] ولا كشيء مع شيء، ولا كشيء داخل في شيء، ولا كشيء خارج من شيء (¬1) . ، ولا كشيء مفارق لشيء، أو كشيء ملاصق لشيء (¬2) ،ولا كشيء مجاوز لشيء، وهو بكل مكان وفي كل مكان لا على ما تتوهم من كون الأشياء في الأشياء (¬3) . تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
[ الرد على من زعم أن الله لم يزل ساكنا في الأزل ]
¬__________
(¬1) - لأن الدخول والخروج من صفات الأجسام ، ولا يقال : الله داخل ولا خارج ، ولا داخل في الأشياء ، ولا خارج من الأشياء = =وقد أجاز العلماء أن يقال : الله داخل في صفات القدم خارج من صفات الحدث ، ولا يقال داخل في صفاته هكذا ، وأما أن يقال: خارج من صفات الخلق فهو عندهم جائز .
(¬2) - فهما أيضا صفتان من صفات الجسم التي هو غير منفك منها ، إما مجامع أو مفارق، غير أنه لا يكون الجسم مجامعا للشيء مفارقا له في حالة واحدة . فإذا جامعه بطل أن يكون مفارقا له في تلك الحال ، وكذلك إذا كان مفارقا له فهو غير مجامع له في تلك الحال ، ولا يكون أن يجامع الجسم شيئين في حال واحدة ، لأن مجامعته لشيء مبطلة عنه مجامعته لغيره ، والمفارقة كذلك ، والاجتماع ضده الافتراق، وهما عرضان يتعاوران على الجسم كتعاور الحركة والسكون عليه .
(¬3) - يريد بالأشياء هاهنا الأجسام ، أي من كون الأجسام بعضها في بعض .
পৃষ্ঠা ১৭
فإن قال : فما إكذابك لمن زعم أنه لم يزل ساكنا في الأزل (¬1) . ؟ فقل : لا يخلو السكون من منزلة واحدة ولا يخرج منها إلى غيرها ولا يكون السكون من الساكن لا في مكان وهو المعقول، فلما كان لا يعقل السكون إلا في مكان فسد أن يكون ساكنا في الأزل لأن ذلك الساكن والمكان والسكون قديما لم يزل فتفسد الوحدانية. ولا يمكن أن يكون قديم خالقا ، وقديم لا خالقا، لأنا لا نجد محدثا مخلوقا ومحدثا لا مخلوقا (¬2) .
¬__________
(¬1) - يريد ما الدلالة على كذبه وباطل قوله ، وقد زعم فريق من المشبهة بأن الله - عز وجل - لم يزل ساكنا في الأزل ، فلما أحدث الأشياء تحرك ، فزعموا أن الإرادة منه حركة جل جلاله عما يقولون علوا كبيرا . والسكون هو الإقامة في المكان ، كما أن الحركة هي الضعن على المكان . فأجابه بأن وجود السكون يقتضي وجود ثلاثة أشياء : سكونا وساكنا ومكانا .
(¬2) - ومعناه أنه ليس يكون قديم غير خالق كما لا يكون خالق غير قديم . وذلك أن الخالق للأشياء المحدث لها لو كان غير قديم كان محدثا مثلها ، فإذا كان محدثا لزمه من حاجة إلى محدث يحدثه ما لزم المحدث الأول ، وللزم مثل ذلك في الثاني والثالث والرابع والخامس إلى ما لانهاية . ولذا بطل أن يكون قديم غير خالق، لأنه لو كان غير خالق وغير فاعل، لوجب أن يكون مخلوقا ومفعولا لاستحالة وجود شيء من الأشياء ،لم يكن فعلا ولا فاعلا . فإذا ثبت بالدليل كون الشيء قديما فخرج من حد الحدث والفعل ثبت لذلك أنه خالق فاعل لهذا الوجه . فقولنا في شيء أنه مخلوق يقتضي حدوثه لأن لفظة المخلوق تحتوي على الحدث وتوجبه لأنه لا يتفق في معنى من المعاني ولا في فعل من الأفعال أن يكون شيء من الأشياء مخلوقا ومفعولا، وهو غير محدث . وكذلك المحدث لا يكون إلا مخلوقا مفعولا لحاجة المحدث إلى محدث يحدثه وفاعل يفعله .
পৃষ্ঠা ১৮
فإن قال : فما إكذابك لمن زعم أنه لم يزل متحركا في الأزل ؟.
فقل : لا يجوز ذلك، لأنا لا نعقل متحركا يتحرك إلا بحركة، أو يكون محركا في الأزل، فيكون معه قديم آخر، فتفسد الوحدانية، ولا يصلح أن يكون أحدهما ربا خالقا دون صاحبه (¬1) .
[ باب في مسألة الإنسان ]
إن سأل سائل عن العلم بأنك إنسان أهو العلم بأنك مخلوق (¬2) ؟.
فقل : العلم بأني مخلوق كسب، والعلم بأني إنسان ضرورة، فهذا فرق ما بين العلمين (¬3) .
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إن العلم بأني إنسان هو العلم بأني مخلوق (¬4) ؟.
قيل له : فقد أثبت كون الاضطرار هو الاكتساب.
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إنما أعلم بأني إنسان لأني مخلوق ؟.
¬__________
(¬1) - أراد بقوله : لا نعقل متحركا إلا بحركة ، أي إلا أن يفعل حركة ويكتسبها ويريدها، أو يكون غيره هو الذي يحركه . فكلا المعنيين عن الله - عز وجل - غير جائزتين ، فبطلت الحركة والسكون عن الله - عز وجل - لما شرح في هذه المعاني لأنهما من صفات الجسم الذي لا ينفك منهما .
(¬2) - قد أجابه بأن العلم باقي، مخلوق، كسبي ، والعلم بأني إنسان ضرورة . وذلك أن العلم بأنه إنسان علم بالضرورة، لا يمتنع من ذلك سواء في أن يعلم نفسه بأنه إنسان وأن يعلم غيره أنه إنسان ، فكل ذلك علم بالضرورة . ولا يمتنع أحد من معرفته ، يعلم ذلك من= نفسه بالذي يجده فيها من المعرفة بذلك . وقوله : فهذا فرق ما بين العلمين ، يريد أن أحدهما كسب والآخر ضرورة .
(¬3) - أنظر المسألة قبلها .
(¬4) - يقال له في هذا : قد أثبت أن كل مخلوق إنسان ، ولو قال : إنما أعلم أني مخلوق لأني إنسان ، فقد أبطل أن يكون غير الإنسان مخلوقا .فكلتا العلتين فاسدتان ، وكذلك لو قال : إنما صار المحدث محدثا لعلة أنه جسم فقد أبطل أن يكون غير الجسم محدثا .
পৃষ্ঠা ১৯
قيل له : قد أثبت أن كل مخلوق إنسان. فإن قال : إنما أعلم أني مخلوق لأني إنسان فقد أبطل أن يكون غير الإنسان مخلوقا (¬1) .
فإن قال:العلم بأنك شيء/[5] أهو العلم بأنك محدث؟
فقل:العلم بأني شيء نفي العدم، والعلم بأني محدث نفي القدم (¬2) .
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إنما أعلم أني شيء لأني محدث .
قيل له: قد أبطلت أن يكون غير المحدث شيئا.
فإن قال : إنما أعلم أني محدث لأني شيء فقد أثبت أن كل شيء محدث .
فإن قال:العلم بأن الله واحد أهو العلم بأنه قديم (¬3) ؟
قيل له : العلم بأن الله واحد نفي العدد،والعلم بأنه قديم نفي الحدث .
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إنما أعلم أن الله واحد لأنه قديم ؟.
قيل له : فقد أبطل أن يكون غير [القديم] واحدا (¬4) . فإن قال : إنما أعلم أن الله قديم لأنه واحد فقد أثبت أن كل واحد قديم (¬5) .
[ مسألة العلم بأن الله واحد أهو العلم بأنه قديم ]
فإن قال : العلم بأن الله شيء أهو العلم بأن الله أزلي ؟.
¬__________
(¬1) - كذلك هذه العلل فاسدة من أساسها ،لأننا لو قلنا : إنما صار الجسم جسما لأنه إنسان فقد أبطل أن يكون غير الإنسان جسما ، فهكذا تكون مسائل الإبطال كلها .
(¬2) - ولو قال : إنما صار المحدث محدثا لنفي القدم عنه كان مصيبا في علته ، مثبتا ومبطلا، وكذلك لو قال : إن الجسم إنما صار جسما لعلة التأليف كان مصيبا في إثباته وفي إبطاله، لما صحت له علة وكان غير زائد فيها ما ليس منها ، ولا ناقص منها ما هو فيها ، كذلك أن لو قال : إن الإنسان إنما كان إنسانا للإنسانية كان مصيبا لما مضى .
(¬3) - فأجابه بأن العلم بأن الله واحد نفي للعدد ، والعلم بأنه قديم نفي للحدوث، فقد صدقت علته .
(¬4) - لأن علته مقصورة على بعض الآحاد .
(¬5) - لأنه ضم في علته كل من يسمى بالواحد ، فأثبته قديما .
পৃষ্ঠা ২০
فقل : العلم بأن الله شيء نفي القدم، والعلم بأنه أزلي نفي الحدث (¬1) .
فإن قال : ما تقول فيمن قال : إنما العلم أن الله شيء لأنه أزلي ؟.
قيل له : فقد أبطل أن يكون غير الأزلي شيئا (¬2) .
فإن قال : إنما أعلم أن الله أزلي لأنه شيء فقد أثبت أن كل شيء أزلي . فعلى هذا فقس كل ما يرد عليك من هذا النحو.
[ مسألة في الفرق بين الكفر والشرك ]
فإن قال : ما الفرق بين الكفر والشرك ؟.
فقل : الفرق بينهما أن كل شرك كفر، وليس كل كفر شركا (¬3) .
فإن قال : أخبرني عما ذكرت من هذا الفرق فوصفت ربك بما وصفته به من هذه الصفات أنص كتاب جاءك من الله أو وجه من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع من الأمة على ذلك (¬4) ؟
¬__________
(¬1) - نعم فقد صادف العلة وأصابها .
(¬2) - لأنه لما جعل علة الشيئية هي القدم كان قد أسقط من العلة وجها يسمى شيئا ،وهو المحدث .
(¬3) - هنا قد ضم في العلة معلولا وغير معلول،لأن علة الأزلي نفي الحدث ، والحدث في كل الأشياء غير منفي ، فلذلك صار القائل بهذه العلل كلها مخطئا .
(¬4) - والفرق الذي سأل عنه السائل هو الفرق بين صفات الله - عز وجل - وبين صفات الخلق من الوصف لله - عز وجل - بصفاته والنفي لصفات الخلق عنه جل جلاله من أول الكتاب إلى هذا الموضع .
পৃষ্ঠা ২১
فقل : جاء ذلك في الكتاب، ودخلت هذه المعاني في جملتها من قوله: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } (¬1) .وقوله : { هل تعلم له سميا } (¬2) . وفي التأويل: هل تعلم له عدلا ؛ وقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أقل من ذلك/[6] ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا } (¬3) . وقوله : { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } (¬4) . وقوله : { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } (¬5) . وقوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } (¬6) . ونحو ذلك من القرآن كثيرا.
وقولنا بكل مكان بقوله : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } (¬7) الآية كلها. فعلمنا أنه ليس في مكان دون مكان، فوصفناه بذلك.
وقولنا ليس له سميا لقوله تعالى : { هل تعلم له سميا } وقوله : { ليس كمثله شيء } فنفينا كل الأشباه والأضداد والأنداد،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
¬__________
(¬1) - سورة الشورى : 11.
(¬2) - سورة مريم : 65.
(¬3) - سورة المجادلة : 07.
(¬4) - سورة ق : 16.
(¬5) - سورة الأنعام : 03.
(¬6) - سورة الزخرف : 84.
(¬7) - سورة المجادلة : 07.
পৃষ্ঠা ২২
وقولنا : عالم بالأشياء لقوله تعالى: { يعلم سركم وجهركم } وقوله : { يعلم ما في أنفسكم } (¬1) . وقوله: { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } (¬2) . فأثبتنا له العلم بالأشياء كما وصف نفسه بذلك فقال : { بصير بما يعملون } (¬3) . { وعليم بذات الصدور } (¬4) . وقديم وعزيز وحكيم،وكل هذه الصفات العليا والأسماء الحسنى، فأخبر بهذه الآي من كتابه على لسان ممن اختاره من خلقه محمد - صلى الله عليه وسلم - . ثم إن نوحا ممن أقر بهذه الجملة التي دعا إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبلوها ورضوا بها حتى دخل عليهم اللبس والشبهات فوصفوا خالقهم تبارك وتعالى بصفات أنفسهم عز وجل عن ذلك. فزعموا أن الله له سمع يسمع به وبصر يبصر به وأنه لا يسمع إلا بسمع ولا يبصر إلا ببصر فأثبتوا له العجز وأخرجوه بأوهامهم من الربوبية إذ جعلوا له شبها وندا من الخلق فلذلك شرحنا هذه المعاني فوصفنا إلاهنا بما وصف به نفسه من أحسن الصفات تبارك وتعالى عما يقول المبطلون. لا نقول ما قالوا، ولكنا نصفه بما أخبر به عن نفسه في هذه الآي من كتابه على/[7] لسان نبي اختاره من خلقه محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن نقض هذا جملة ورضي بشيء مما أتى به المشبهة من وصفه تعالى بخلقه فقد أعظم على الله الفرية وضل ضلالا بعيدا.
[ الله قادر؟ فهل يقدر أن يبدل الدنيا مكان الآخرة ؟ ]
¬__________
(¬1) - سورة البقرة : 235.
(¬2) - سورة غافر : 19.
(¬3) - سورة البقرة : 96.
(¬4) - سورة آل عمران : 119/154.المائدة:7.الأنفال:43.
পৃষ্ঠা ২৩
إن سأل سائل فقال : أربك خالق قادر ؟ فقل : نعم، فإن قال:هل يقدر أن يبدل الدنيا مكان الآخرة ويجعل الآخرة مكان الدنيا، أو الجنة مكان النار أو النار مكان الجنة ، فيعذب أو يعفو ، ويرحم أعداءه (¬1) ؟.
¬__________
(¬1) - فقد أجابه المؤلف بأن السؤال في ذلك محال ، ثم سأله عن المعنى الذي استحال به السؤال ، فأجابه بأنه يستحيل من قبل ثلاثة أشياء كلها فاسدة : أحدها أن يكون الله - عز وجل - يخلف وعده ، والثاني أن يكون كائن من الأشياء وهو بخلاف علمه ، والثالث هو دخول الاستكراه عليه ، فلما بطلت هذه الوجوه كلها على الله - عز وجل - واستحالت بطل واستحال لبطلانها ، واستحالتها جميع ما سأل عنه من ذلك ، فأراد المجيب أن تكون هذه الأشياء كلها من كون الدنيا آخرة والآخرة دنيا ، والجنة نارا ، والنار جنة ، وتعذيب المحسن الولي ، وإثابة العدو المسيء ، فهذا كله محال ، لأن معناها كلها هو أن يصير الإحسان إساءة والإساءة إحسانا ، وهذا فعل السفيه العابث= = تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وخلف الوعيد يدخل في حد النقض من وجهين :أحدهما أن يكون الذي يعد ليس من إرادته أن يفيء بما وعد به فيكون حينئذ داخلا في باب الكذب أو أن يكون في إرادته أن يفيء بالذي وعد ثم هو لم يفعل،فيكون داخلا في باب البداء . والكذب والبداء كلاهما نقض وتعجيز . وأما دخول الاستكراه عليه فكون الأشياء ووجودها بخلاف الإرادة .وخلاف الإرادة الاستكراه والاضطرار،وذلك من أعجز صفات المخلوقين،فيبطل السؤال لهذه العلل الثلاثة التي وصفنا . والذي تبدو له البدا وات إنما ذلك لظهور علم عنده لم يكن يعلمه فيبدو له فيما يعمل أو فيما يترك . والمتقلب الولاية كذلك يعلم شيئا فيوالي عليه ثم يعلم خلاف ذلك فيعادي عليه .
পৃষ্ঠা ২৪
فقل : أحلت في سؤالك. فإن قال: من أين استحال ؟ فقل : من قبل أن معنى قولك يؤول إلى أن تقول : إن الله يخلف وعده وأن يكون خلاف على ما علم ودخول الاستكراه عليه، ومن أدخل عليه الاستكراه كان الذي أدخل عليه الاستكراه أقدم منه فبطل قولك وما يعذب أولياءه ويرحم أعداءه يؤول إلى أن تقول : إنه غير حكيم، ومن كان غير حكيم فهو تسفيه وأن يخلف وعده تعالى الله عن ذلك وعز أن يخلف وعده وعن أن يكون مسكترها مغلوبا لأن من كانت هذه صفته فليس بإله لأن هذه صفة الخلق العاجز الذليل المقهور المربوب تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
[ مسألة في الصفات ]
إن سأل سائل فقال : الله عالم بالأشياء ؟ فقل نعم. فإن قال: ولربك قدرة على الأشياء ؟ فقل: نعم. فإن قال : فهل هو عالم بعلمه بالأشياء وقادر على قدرته على الأشياء ؟
فقل: أحلت إذا في سؤالك لأنا إنما قلنا لك : له علم بالأشياء نفينا أن يكون جاهلا بها لا على أن له علما به علم الأشياء وله قدرة على الأشياء نفينا أن يكون عاجزا عن الأشياء لا على أن له قدرة فمن قدر على الأشياء فتكون له قدرة على القدرة وعلم بالعلم إلى ما لا نهاية له ولا غاية (¬1) .
فإن قال فمن أين تنكر أن يكون له علم به علم وهو غيره، وقدرة/[8] قدر بها ؟
¬__________
(¬1) - لأن قول القائل : لله علم وعلمه ، أي عالم ليس بجاهل لا على أن هناك شيئا غير الله ، يقال له علم ، وكذلك له قدرة ، وقدرته معنى ذلك ، أي هو القادر لا على أن له قدرة هي غيره، فبطل سؤال السائل واستحال ، ولو كان كما قال السائل لكان علم بعلم ، وقدرة على قدرة فيتصل ذلك إلى ما لانهاية لهمن المعاني .
পৃষ্ঠা ২৫
فقل : من قبل أن ذلك [فاسد من وجهين : لو كان العلم والقدرة غير الله لم يخل من كون ذلك الغير من أن يكون قديما مع الله فتفسد الوحدانية أو يكون محدثا فيكون قبل ذلك المحدث ليس بعالم ولا قادر، ومن كان كذلك فهو جاهل عاجز لم يقدر أن يستحدث علما ولا قدرة ولا صفة من الصفات ويكون غيره هو الذي يحدث العلم والقدرة، فلا يخلو ذلك الذي يحدث له العلم والقدرة من أن يكون علمه وقدرته غيره فيحتاج إلى من يحدث له العلم والقدرة ] (¬1) .فلما بطل ما ذكرنا صح أنه تعالى له علم بالأشياء على أنه العالم القادر في نفسه تبارك وتعالى وفسد أن يكون هو في نفسه علما لفساد الدعاء بذلك والتضرع به بأن يقال : يا علم اغفر لي، ويا علم ارحمني ويا علم أدخلني جنتك برحمتك.
[ الرد على مثبتي العدد في العلم والقدرة ]
إن سأل سائل عما وصفته به من العلم والقدرة، والإرادة والقوة، والعزة ، أهذه المعاني قديمة أم محدثة ؟
¬__________
(¬1) - ما بين معقوفتين غير واضح في المخطوط وهو من شرح الجهالات لأبي عمار عبد الكافي الإباضي، بتحقيقنا، ص154. طبع على الآلة الراقنة خلال سنة 1985. والجدير بالملاحظة هو أنه لم يبق لقول القائل بعد الذي بينه صاحب الكتاب إلا أن نقول : لله علم وعلمه قديم ، فعالم معنى نفي الجهل عنه - عز وجل - . وكذلك قولنا : له قدرة وقدرته وقادر معنى ذلك نفي العجز عنه ، والإرادة كذلك كما قال صاحب الكتاب : لا على أن يكون الله - عز وجل - في نفسه علما أو قدرة أو إرادة لأن الصفة لا تقوم مقام الموصوف ، وقد تكون صفة الموصوف هي الموصوف وليس بجائز أن يكون الموصوف في نفسه صفة فيكون صفة لماذا؟ لنفسه أو لغيره؟ والثاني أن يدعى يا صفة كما يدعى يا موصوف. والثالث لكأن تكون تلك الصفة أيضا توصف بصفات ، وهذه الوجوه كلها فاسدة ، وليس هذا بمذهب فيحتاج إلى الإكثار فيه .
পৃষ্ঠা ২৬
قيل : سؤالك هذا يحتمل معنيين، إن كنت تريد أن علمه وقدرته وعزته وقوته وجبروته محدثة فذلك فاسد لا يصلح القول به لأن ذلك يؤول إلى أن يقال : إنه قبل أن يحدث هذه الأشياء عاجز جاهل مهين ضعيف مقهور، وإن كنت تريد أنها قديمة، لم تزل معه، فذلك أيضا فاسد، لفساد الوحدانية بذلك، ووجود أشياء كثيرة قديمة لم تزل معه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فإن قال : إني لم أفهم ما قلت. زعمت أن أشياء لا قديمة ولا محدثة وهذا التخبط في الحشو.
فقل : إني لم أثبت أن له علما به علم ولا قدرة بها قدر ولا عزة بها تعزز ولا عظمة بها تعظم ولا جبروت بها تجبر ولا إرادة بها أراد ولا قوة بها قوي ولا مشيئة بها شاء، ولكن إنما معنى له علم أي هو العالم لا غيره وله قدرة أي هو القادر لا غيره وله/[9] عزة أي هو العزيز غير ذليل. وله جبروت أي هو غير مقهور، وله عظمة أي هو العظيم غير مستعين.
পৃষ্ঠা ২৭
وهذه الصفات كلها تسمت إلى الخلق، ولا يجري معنى الخلق على معنى الله ولا معنى الله على معنى الخلق لأن أسماء الخلق ألقاب فقد تقرر على أن تزيلها عنهم وتحذف لهم أسماء غيرها، وأسماء الله هي أسماء ذاته (¬1) .ولا تكمل مدحة شيء تستكمل له هذه الأسماء، ولو زيلت منها صفة واحدة لبطلت الوحدانية (¬2) .بكل ما ذكرنا من أسماء الله، فإنها هي مدحة لواحد ليس هو كما قال الجاهلون من إثبات العدد وذلك عن الله منفي (¬3) . ولا يقال : أن له علما به علم ولا قدرة بها قدر، ولو كان كذلك لكان في نفسه غير عالم وفي نفسه غير قادر، وجميع أسمائه.
¬__________
(¬1) - فهو كما قال الكاتب،لأن من يسمى من الخلق بعالم أو بقادر أو بسميع أو ببصير ، فان ذلك بمعنى يجوز عليه زواله وبطلانه وتزول عنه التسمية بذلك وتحدث له تسمية= = أخرى لحدوث معان أخرى ، وليس أسماء الله وصفاته كذلك ، وإنما هي للذات ، وللذات غير زائلة ولا فانية لكونها قديمة فتزول بزوالها التسمية والوصف . ولذلك قال صاحب الكتاب ( لا تستكمل له مدحة حتى تستكمل له هذه الأشياء ).
(¬2) - فقد صدق الكاتب ، ألا ترى لو كان الله غير موصوف بالعلم أليس كأن يكون موصوفا بالجهل . وكذلك لو كان غير موصوف بالسمع والبصر أليس كأن يكون موصوفا بأضداد هما من الصمم والعمى يتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فلما كان في زوال صفة من صفاته ثبوت صفة من صفات الخلق كان في ذلك بطلان الوحدانية ونقصان المدحة .
(¬3) - والمقصود بالجاهلون هنا : هم الأشعرية الذين يثبتون العدد في العلم والقدرة ، وكذلك الناكثة هم أيضا جاهلون ، حيث جعلوا ألفاظهم المعدودة وأفعالهم المتغايرة من صفات الله - عز وجل - وأسمائه وكل ذلك عن الله منفي ، وذلك أن الله - عز وجل - غير موصوف بالتغاير لأن التغاير نفسه عدد والعدد يبطل الوحدانية .
পৃষ্ঠা ২৮
تعالى الله أن نصفه عزيزا لعزة هي غيره وكذا جميع أسمائه والحمد لله رب العالمين.
[ الباب الثاني ]
باب آخر من الجهالات
[ في التوحيد ]
سألت عن التوحيد أضرب هو أم ضربان ؟
فقل : أما في جملته فضرب واحد، وفي تفسيره ضروب كثيرة (¬1) .
سألت عن التوحيد هل له ضد يزيله ؟ فقل : نعم، وهو الشرك (¬2) .
سألت عن التوحيد هل للناس عبادة دون إخلاصه ومعرفته (¬3) ؟
فقل : ليس للناس عبادة دون إخلاصه ومعرفته.
سألت هل لله اسم يختص به دون الخلق ؟
¬__________
(¬1) - والذي نقول : أما في جملته فيجمعه أنه إفراد لله من غيره ، وأما في تفسيره فهو أن الله عالم ، وقادر ، وسميع وبصير ، حتى تصفه بجميع ما يوصف به ، وغير مشبه لكذا ولا لكذا حتى تنفي عنه جميع ما لا يوصف به ، وغير مشبه لكذا ولا لكذا حتى تنفي عنه جميع ما لا يوصف به من صفات الخلق . وجملة التوحيد هي الإفراد لله ، وهو نفي الأشباه والمساواة عن الله ، أي لا يوصف الله بما به يوصف الخلق ، ولا يوصف الخلق بما به يوصف الله .
(¬2) - وذلك أن التوحيد مضادد للشرك من جهة الإفراد والمساواة ، ومن جهة الايمان والكفر ، ومن جهة الطاعة والمعصية ، وكل جهة من هذه الجهات مضاددة لقرينتها .
(¬3) - يريد بالعبادة أي هل يصح لهم أن يعبدوا الله بالإخلاص دون المعرفة ، أو بالمعرفة دون الإخلاص ؟ ففسروا الإخلاص بالضمير دون الإقرار ، والمعرفة بالإقرار دون الضمير. فأجابه بأنه لا يصح لهم أن يعبدوا الله بالضمير دون الإقرار، ولا بالإقرار دون الضمير، إلا أن يجمعوهما جميعا ، والله أعلم .
পৃষ্ঠা ২৯
فقل : نعم، وهو الله الرحمن فقط لا يسمى بهما أحد غيره (¬1) .
سألت عن الكفر في معناه، أمعنى واحد أم له معان ؟
فقل : الكفر معنيان : كفر شرك وكفر غير شرك، وهو كفر النفاق، وكذلك أيضا الإيمان معنيان : إيمان توحيد وإيمان غير توحيد وهو إيمان الفرائض .
قلت : لأي علة كان بعض الإيمان إيمانا ؟
قال : لعلة الأمر/[10] به وإيجاب الثواب عليه.
قلت : لأي علة كان الكفر كفرا ؟
قال: لعلة النهي عنه ووجوب العقاب عليه (¬2) .
قلت:لأي علة كان الشرك شركا وبعضه ليس بشرك؟
¬__________
(¬1) - وذلك أن هاتين العبارتين غير جائزتين على أحد من الخلق ، وما سوى ذلك من التسمية بعالم ، وبقادر ، وبسميع ، وببصير، فقد يكون أن يسمى بها الخلق ، غير أن هذه العبارة، ولو كانت جائزة على الخلق،فالمعنى فيها على غير المعنى الذي في صفة الله - عز وجل - .
(¬2) - أما جوابه حين سئل عن العلة في الإيمان ، فأجابه بأن العلة فيه الأمر به وإيجاب الثواب عليه. ثم أجاب في الكفر أيضا بمثل ذلك الجواب ، فقال كان الكفر لعلة النهي عنه ووجوب العقاب عليه، فذكر في كل جواب منها علتين ، فلو اجتزأ بعلة الثواب في الإيمان وبعلة العقاب في الكفر لكفاه ذلك من ذكر الأمر والنهي . وقد كانت المعصية معصية لعلة النهي وتلك العلة هي غير المعصية ، وكان الشرك معصية لعلة النهي وهي علة غير الشرك، وكان النفاق معصية لعلة النهي وهو غيره وكذلك كل معصية على الانفراد كانت معصية لعلة النهي وهو غير المعصية لما ثبت الغير في أول المسألة كان الجواب في كل خصلة على الانفراد بالغير ، وليس من أحد يجهل أن النهي عن المعصية معنى غير المعصية ، كما أن الأمر بالطاعة معنى غير الطاعة لأن الأمر والنهي فعل الآمر الناهي ، والطاعة والمعصية فعل المأمور المنهي المطيع العاصي .
পৃষ্ঠা ৩০