وجاء في الأغاني أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يستقبل الكعبة في صلاته ويقول:
لبيك حقا حقا
تعبدا ورقا
عذت بما عاذ به إبراهم
مستقبل الكعبة وهو قائم
يقول إني لك عان راغم
مهما تجشمني فإني جاشم
وذكر صاحب كتاب حجة الله البالغة أنهم كانوا يصومون يوم عاشوراء، وكان صيامهم من الفجر إلى مغرب الشمس، وكانت لهم بقايا من العبادات التي عرفت بين أهل الكتاب، ولم تكن معروفة على وتيرة واحدة بين أتباع دين من الأديان، وإنما يرغبهم فيها أنها أعمال ترضي «الإله»، وأنهم يعرفون إلها أعظم من سائر الآلهة يتوجهون إليه بالدعاء. وهي حقيقة لا يعتورها الشك؛ لأنهم كانوا يسمون «عبد الله»، ويلبون فيقولون: اللهم لبيك، ولا يدعون أحدا من الأصنام «رب البيت»، فإذا قالوا: «رب البيت» أرادوا به ربا فوق جميع الأرباب.
إننا في هذه الرسالة نذكر المقدمات ونقسمها - كما قلنا - في مفتتحها إلى قسمين: قسم ينقطع دون النتائج التي جاءت بعده، وقسم يتصل بنتائجه، ويسير من مبدئه إلى غايته في مجرى الحوادث، وليس بين هذه المقدمات المتصلة ما هو أحكم اتصالا بين أوائله وخواتيمه من قيام البيت في مكة وتوثيقه قبائل العرب على حرمة واحدة.
وقد سميت الكعبة «الحمساء»، وانتسب إليها «الحمس»، وهم طوائف متشددون في فرائضهم وخلائقهم يدينون أنفسهم بالتقشف والزهد في مواسم العبادة، فيقضون زمنا في العراء لا يحول بينهم وبين السماء حائل من سقف أو ستار، ويحرمون على أنفسهم في الأشهر الحرم أكل الأقط والسمن، ولبس النسيج من الوبر والشعر، ولا يجيزون لغيرهم أن يطوف بالبيت في غير الثياب الأحمسية، ويجعلون المطاف بالليل للنساء إذا لم تكن عليهن هذه الثياب. •••
অজানা পৃষ্ঠা