وفي سفر صمويل قبل ذلك «أنه يكون عند مجيئك إلى المدينة أنك تصادف زمرة من الأنبياء نازلين من الأكمة، وأمامهم رباب ودف وناي وعود وهم يتنبئون، فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم وتتحول إلى رجل آخر».
وفي سفر الأيام الأول أن داود ورؤساء الجيش «أفرزوا للخدمة بني للخدمة بني آساف وهيمان، ويدوثون المتنبئين بالعيدان والرباب والصنوج».
وقد ينعزل بنو الأنبياء كأنهم يرشحون أنفسهم للنبوة بعد آبائهم، حتى يضيق بهم مكانهم كما جاء في سفر الملوك الثاني: «وقال بنو الأنبياء لأليشع: هو ذا الموضع الذي نحن مقيمون فيه أمامك قد ضاق علينا؛ فلنذهب إلى الأردن.»
وعلى هذه الحيرة التي كانت تنتاب القوم بين النبوءات الكثيرة، لم يكن بهم غنى عن النبي الصادق الذي يحذرهم غضب الله، ويبلغهم مشيئته، ويملي عليهم فرائضه وأحكامه، فلم يعرضوا عن الأنبياء كل الإعراض، ولم يقبلوا عليهم كل الإقبال، ورجعوا إلى التجربة في التفرقة بين النبوءات، وعقيدتهم في ذلك ما جاء في سفر التثنية خطابا لموسى - عليه السلام:
وأقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه. وأما النبي الذي يفرض عليكم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي، وإن قلت في قلبك كيف تعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب، فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر؛ فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي؛ فلا تخف منه.
وعلى هذا انقسم المتنبئون أقساما ثلاثة: نبي يتكلم باسم الرب، ونبي يتكلم باسم آلهة أخرى، ونبي يتكلم باسم رب إسرائيل، ولكنه يطغى بما في قلبه على وحي ربه، فيخلط بين ما يقوله هو بلسانه، وبين ما يجريه الله على لسانه ليبلغه إلى قومه.
والمرجع في التفرقة بين الأنبياء إلى صدق النبوءة، فإذا امتد الأجل بالنبي حتى يشهد القوم صدقه في نبوءة بعد أخرى، فذاك هو النبي المختار الذي يطاع، وتكتب عنه النبوءات، وربما قضى صدر حياته مهانا منبوذا بين قومه كما حدث للنبي أرميا، الذي أصبح عند كتابة العهد القديم في زمرة كبار الأنبياء، وقد حكى ذلك فقال في الإصحاح العشرين: «قد أقنعتني يا رب فاقتنعت، وألححت علي فقبلت ... صرت للضحك كل النهار ... وكلهم قد استهزأ بي؛ لأني كلما تكلمت صرخت ... ناديت: ظلم واغتصاب ... فقلت: لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه، فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي ...»
نبوءة الأحلام والرؤى
ومن الحق أن نذكر أن المتنبئين لم يتطلعوا جميعا إلى مكان النبوة العليا - نبوة القيادة والتعليم والتشريع - ولم تكن نبوة الكثيرين منهم مستمدة من شيء غير الأحلام والرؤى، وجيشان الشعور وإلحاحه على صورة واحدة يعجز المتنبئ عن صرفها، فيجهر بها صارخا كما فعل أرميا، كأنه يستغيث من لاعج في نفسه لا يقوى على كتمانه. ومنهم من كان يرى الرؤى ثم تتكرر في منامه، فيفضى بها إلى قومه مخافة الكتمان، وحذرا من أن يكون هذا الكتمان نكوصا عن الدعوة، وممالأة على العصيان والفساد.
وقل منهم من أبلغ قومه أنه تلقى الوحي من هاتف مسموع، أو شخص منظور في حالة اليقظة، ومن هؤلاء القليلين صمويل الذي «سمع قبل أن ينطفئ سراج الله وهو مضطجع في تابوت الرب صوتا يدعوه»، ويعود إلى دعوته لتوكيدها، ومنهم دانيال الذي قال: إن «الرجل جبريل الذي رآه في الرؤيا ابتدأ يلمسه عند تقدمة الماء، ويتكلم معه ويقول له: إنه خرج ليعلمه الفهم ويرشده»، ومنهم من كان يستعظم الدعوة حين يحسها في صدره، فيقول كما قال أشعيا: «إني هلكت؛ لأني إنسان نجس الشفتين أسكن بين شعب نجس الشفتين»، إلى أن قال: «إن عيني قد رأتا الملك رب الجنود، فطار إلى واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومس بها فمي، وقال: إن هذه قدست شفتيك، فانتزعت إثمك، وكفرت عن خطيئتك.»
অজানা পৃষ্ঠা