أَتَاكُمْ بِخَطّ الجزمِ حَتَّى حفِظتُمُو ... مِنَ المالِ مَا قَدْ كَانَ شَتَّى مُبَعْثَرا
وَأَتْقَنْتُمو مَا كَانَ بالمالٍ مُهْمَلا ... وطَامَنْتُموُ ما كان مِنْه مُبقَّرا
فَأجْرَيْتُمُ الأَقْلامَ عَوْدًا وَبَدْأَةً ... وضَاهَيْتُمُ كِتَابَ كِسْرَى وَقَيْصَرا
وأَغْنَيْتُمُ عَن مُسْنَدِ الحىّ حِمْيرا ... وَمَا زَبَرتْ في الصُّحفِ أَقْلامُ حِمْيَرَا (١)
وإنما قال: "أتاكم بخط الجزم" (٢) - كما قال عَوَانة: "بخطنا هذا، وهو الجَزْم" لأن الخط الكوفى كان أولًا يُسمَّى الجَزْم قبل وجود الكوفة لكونه جُزم، أي اقْتطِع ووُلِّد من المسْنَدِ الحِمْيَرىِ (٣) كما في (الاقْتِضاب) شرح البَطليَوْسِى (٤) على (أدب الكاتب) (٥). وقد عَرفْتَ أن الذي اقتطعه "مُرامِر" وصاحباه على ما مَرَّ في (المزْهِر) (٦).
قال السيوطي: "وقد قيل للمهاجرين من قريش: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من الحِيرةِ. وقيل لأهل الحيرة: من أين لكم الكتابة؟ فقالوا: من
_________
(١) إلى هنا ينتهي النقل عن المزهر. والأبيات من بحر الطويل.
(٢) سبق التعريف بخط الجزم، راجع ص (٥١) حاشية رقم (٣).
(٣) راجع معنى المسند ص (٤٥) حاشية رقم (١).
(٤) هو عبد الله بن محمَّد بن السيد البطليوسي، أبو محمَّد. من أبرز من أنجبته الأندلس من العلماء والأدباء. فهو نحوي لغوي فقيه شاعر، وله مشاركة في علوم الفلسفة والمنطق وعلم الهيئة. ولد سنة ٤٤٤ هـ في بَطليُوس ونشأ بها (وهي مدينة كبيرة غربي الأندلس) وانتقل إِلى بلنسية فسكنها وتوفي بها سنة ٥٢١ هـ. وقد وصف بغزارة الحفظ وسعة الإطلاع وقوة التقصي والدقة في البسط والشرح. من كتبه: "الاقتضاب" وهو شرح علي "أدب الكاتب" لابن قتيبة (سبقت ترجمته ص ٣٣) و"شرح الموطأ" للإمام مالك. و"الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم" (راجع وفيات الأعيان جـ٣ ص ٩٦، المغرب في حلى المغرب جـ١ ص ٣٨٥ بغيه الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس ص ٣٣٧).
(٥) الاقتضاب جـ١ ص ١٧٣.
(٦) راجع ص (٥٠، ٥١) حاشية رقم (٦).
1 / 53