119

فأثنى عليهم وذكر المجازاة على هذه الحالة بقوله (سبحانه): فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك إلى آخر الآيات.

فكفى بهذه عبادة وبإطعام هذا الطعام مع شدة حاجتهم إليه منقبة ولو لا ذلك لما عظمت هذه القصة شأنا وعلت مكانا ولما أنزل الله (تعالى) فيها على رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم)) قرآنا، واعلم أن أنواع العبادة كثيرة، وكان علي ((عليه السلام)) جامعا لجميعها، فإن من تيقن حقيقة الآخرة بأحوالها وتحقق شدائد أهوالها، وإن كل نفس عند مردها ومآلها تلزم بجواب سؤالها وتجثو بين يدي خالقها لجدالها وتجازي على ما أسلفته من أعمالها إما بنعيمها وإما بنكالها، خليق أن يكون عن ساق جده في عبادته مشمرا وأن يجعل وقته على اكتساب طاعات ربه متوفرا، فإنه لا يقصر في العبادة إلا من فقد اليقين ولم يكن من المتقين.

وقد كان علي ((عليه السلام)) منطويا على يقين لا غاية لمداه ولا نهاية لمنتهاه، وقد صرح بذلك تصريحا مبينا فقال ((عليه السلام)): لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا، فكانت عبادته إلى الغاية القصوى تبعا ليقينه وطاعته في الذروة العليا لمتانة دينه.

وأما زهده وورعه فقد شهد له بذلك رسول الله ((صلى الله عليه وآله وسلم))، وأخبر أن الله (تعالى) حلاه من الزهد بحليته وحباه بزينة بزته وكساه بزة زينته فقال ((صلى الله عليه وآله وسلم)) ما رواه الحافظ أبو نعيم (رض) بسنده في حليته: «يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها، هي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا» وإذا كان الزهد ثابتا لعلي ((عليه السلام)) فاعلم- أرشدنا الله وإياك إلى سواء السبيل-، أن الزهد في الشيء لا يتحقق إلا بعد معرفة ذلك الشيء المزهود فيه

পৃষ্ঠা ১২৮