[[NO TITLE]]
مقدمة الشارح
(محمد الإفراني)
التعريف
بالوشاح والموشحات
[ص51]
باسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد
يقول العبد الحقير، المخطئ الفقير، المرتجي عفو مولاه، محمد الملقب بالصغير ابن محمد بن عبد الله الإفراني نجارا، المراكشي دارا، تاب الله عليه، ووجه قلبه إليه:
পৃষ্ঠা ১
الحمد لله الذي وشح جيد أهل الأدب بعقود البيان التي [هي] على الشرف عنوان، وسرح عيون أفكارهم في حدائق كلام العرب فقطفوا أزهار المعاني من أكمام الألفاظ "صنوان وغير صنوان"(¬1)[1]، وتوج مفارقهم بإكليل التبيان، وحلى لباتهم في المقامات بعقيان القلائد، وقلائد العقيان(¬2)[2]، وأطلع في سماء عقولهم من ملح البديع شموسها، وراض لهم جموح التراكيب، فذلل من لطائف الأساليب شموسها، فسبحوا في بحري المديح والهجاء بأجمل إشارة وأكمل احتجاج، ف "هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج"(¬3)[3]. وتلفعوا بثوب الافتنان في فنون الأغراض، ورموا بسهم الإصابة مستهدف الأغراض(¬4)[4]، وغاصوا في قاموس اللغة(¬5)[5] على صحاح الجوهر(¬6)[6]، واقتعدوا سفينة الغزل في تيار المعاني [ص52] فغنموا كل معنى أزهر(¬7)[ 7]، وتلونوا في حلل الكلام تلون الحربا، وتخيروا من بدائع المحسنات كل مقصد سما وأربى، فمن مجاز للفصاحة مجاز، وحقيقة تزري بشقائق ابن الشقيقة(¬1)[8]، وإيجاز تقلد بدلائل الإعجاز(¬2)[9]، وتشبيه بلا شبيه، وتقسيم وسيم، وتلميح مليح، وغلو في غاية العلو، وجناس موصول بالإيناس، وتمثيل بلا مثيل، وإبهام يحير الأ[فها]م، و[تف]ريق في الحسن عريق، وحسن ختام، كشف عن وجوه البدائع اللثام، فسبحان من آتاهم الحكمة وفصل الخطاب(¬3)[10]، وجعل ألسنتهم لزبد البلاغة أحسن وطاب، وحسن بهم خمائل القريض، فكأنهم في فم الأشعار ابتسام. وخص كلمتهم برقية النفوس، فلو رقوا بها مريضا ما طرق ساحته السام، وأدار عليهم راح الملح، في حان الخلاعة فأصبحوا حيارى، "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى"(¬4)[11]؛
هم القوم فاجهد في اتباع سبيلهم
পৃষ্ঠা ৩
وإن لم تكن شبها لهم فتشبه اللهم كما رفعتهم من سماء الشرف مكانا عليا، وألبستهم من برود السعد والقبول حليا، فاجعلنا من التابعين لهم بإحسان، المتمسكين بما كان لجموح المعاني في أيديهم من محكم الأرسان، بجاه من إذا ختم الدعاء بالصلاة عليه أسرعت بالإجابة، مولانا محمد بن عبد الله، الذي ظهرت على أسرة وجهه، وهو في المهد، مخاييل النجابة، أفضل الأنبياء والأملاك، فغيرهم أولى وأحرى، القائل، "وما ينطق عن الهوى"(¬1)[12]: "إن من البيان
[ص53] لسحرا(¬2)[13]"، والآخذ من البراعة بالترائب، حين أخذ الناس بالعراقيب والأعضاد، الناطق بجوامع الكلم، ولا غرو فهو أفصح من نطق بالضاد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم براعة استهلال هذه الشريعة، المعتنون(¬3)[14] بنقد جواهر كلام العرب في الجد والهزل، مع عظيم حرصهم على سد الذريعة، والرضا عن كل من كمل نوع إنسانيته بخاصة الأدب، ففضل بها عن أبناء جنسه، وبذل في افتضاض أبكار القصائد وعرائس مخدرات الأراجيز حشاشة نفسه، علما منه بأن الأدب به تتفاوت المقامات [في المشاهد]، ويستحق الغائب التقدم على الشاهد. ولعمري إن كل من لا يتعاطى الأدب، ولا ينسل لاجتلاء غرره، واجتلاب درره من كل حدب، ما هو إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مرسلة.
পৃষ্ঠা ৪
ولما كان توشيح إبراهيم بن سهل ريحانة كل من له إلى الأدب انتساب، وذخ[يرة] أهل الجزيرة التي هي من أجل الذخائر وأفضل الاكتساب، فقد أ[جمعت] كلمة أرباب البلاغة، واتفق رأي من نهض لتصفية إبريز المعاني من الصاغة، على أنه عنقاء مغرب، الذي لا يؤتى بسورة من مثله في مشرق ولا في مغرب،
وشرق حتى ليس للشرق مشرق
وغرب حتى ليس للغرب مغرب
فلو تصدى لمعارضته النابغة، لأقر بإعجاز محاسنه السا[بغة]،أو ألحد في آياته شاعر بني أسد(¬1)[15]، لشد لسانه بحبل من مسد(¬2)[16] ولو بصر به حبيب بن أوس، لم يمكنه للمناضلة إنضاء قوس، أو المتنبي، كانت معجزته مقرونة بالتحدي، أو أبو العلاء، أقر على نفسه [ص54] بما لم تستطعه الأوائل بالتعدي(¬3)[17]، أو ابن بسام، لما سام في مضمار المساجلة سل حسام. فيا له من توشيح رد عيون أعيان هذه الصناعة من الحياء مطرقة، تالية آياته على من قاسها بامرىء القيس، "فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة(¬4)[18]". وفيه وفيه، مما لا أعده ولا استوفيه.
পৃষ্ঠা ৫
طلب مني بعض من اتخذ ترداده وردا، وارتوى من زلال معانيه المترقرقة على صفا ألفاظه وردا، وجعله في ساعة الفرح، تميمة من الترح، أن أكتب عليه ما يوضح غامض معانيه، ويأخذ بمجامع قلب معانيه، ويسفر عن وجوه لطائفه مسدل الحجاب، ويدير على حفاظه من سلافه كؤوس الإعجاب، فقلت: يا هؤلاء؟ "لقد جئتم شيئا إدا"(¬1)[19]، وسألتم ما سجل عليه قاضي العجز و[أدى]، وتطلبتم ما هو "أبعد من بيض الأنوق"،(¬2)[20] و"أغرب من الأبلق العقوق"(¬3)[21]، من أين للزمن أن يجاري الراكب، ومتى ساوت العراقيب المناكب؟ ومن أجهل ممن يعارض البحر بالوشل(¬4)[22]؟ أو يقاوم النشاط بالفشل؟ أو يساوي الجوهر الفرد بالحصا؟ أو يجمع في غمد القراطيس(¬5)[23] بين السيف والعصا؟ على أني لو لبيت الندا، وسقطت على [ص55] شرحه سقوط الندا، لقيل لي: ليس هذا بعشك فادرج،(¬1)[24] وما النادي بنادي أمثالك فاخرج، فلتقيلوا، ولا تقولوا(¬2)[25]:
قد يدرك المجد الفتى ولباسه
... ... خلق وجيب قميصه مرقوع
فما زادهم تحذيري إلا إغراء وإلحاحا، ورأوا أحاديث اعتذاري ضعيفة، وأحاديث سؤالهم صحاحا، وتمالأ على التصميم سرهم ونجواهم، و"مازالت تلك دعواهم"(¬3)[26]. ولم يكن في عذري لهم من مقنع، وأحب شيء إلى الإنسان ما امتنع. فلما رأيت أنه لابد من صنعا(¬4)[27]، أجبتهم وإن كنت لا أحسن صنعا، ففوقت للشروع سهم العزم، وأطرت عن زنده شرر الحزم، وأدخلت على معتل التواني حرف الجزم. ونهضت وأنا "أحير من ضب"(¬5)[28]، وأشغل من صب. فرسمته في صحائف الوهم، وصقلت لمناولته صدأ الفهم، وحبب لي أن أجعله أمما: نزح عنه تقصيرات الشروح وإفراطها، تمسكا بقول المصطفى: "خير الأمور أوسطها"(¬6)[29]. وجعلت الكلام على كل بيت محصرا في
مطالب:
পৃষ্ঠা ৭
أولها: تفسير ألفاظه اللغوية، وقدمته لأن ذلك طريق إلى تحصيل ما بعده.
[ص56]
ثانيها: رفع القناع عن معنى التركيب، وتنزيل المعاني على الألفاظ، ونسق بعضها ببعض، حتى تكون من حيث المعنى كأنها سبيكة إبريز، تشهد لصائغها بالتقدم في الصناعة والتبريز.
ثالثها: وشي حلل البيت بسلك المعاني ثم بجوهر البيان، ثم بيواقيت البديع، وهذا ألطف المطالب وأعلاها، وأغلاها، إذ هو مضمار ما يقع به التفاضل، وينعقد بين الأماثل في شأنه التسابق والتناضل.
رابعها: الإعراب، الذي هو سبب لفهم فحوى الكلام وظهور لحن الخطاب.
وربما ألمع في خلال هذه المطالب بما رأيت له مماسة بالمقام، مما تثيره المناسبة وتقتضيه، وتميل إليه الفطر السليمة وترتضيه، من النظم الجزل،[في] الجد والهزل، ومستظرف الحكايات التي يحصل بها للناظر الإمتاع، ولا يعدها من سقط المتاع المبتاع. وقد قيل: إن الحكايات عروس، والمتكلم ماشطتها، والأخبار عقود، والأدب واسطتها. وما كان في ظني أن أذكر من تلك المطالب، إلا مالا مندوحة عنه للطالب، فتشابكت المسائل، وخرج الأمر كما قال القائل(¬1)[30]:
خرجنا على أن المقام ثلاثة
... ... فطاب لنا حتى أقمنا به شهرا.
পৃষ্ঠা ৮
[ص57] ثم أقول كما قال الحريري: "يا رواة القريض، وأساة القول المريض، إن خلاصة الذهب تظهر بالسبك، ويد الحق تصدع رداء الشك. وها أنا قد عرضت خبيئتي للاختبار"(¬1)[31]، وعرضت حقيقتي على الاعتبار، فمن وجد فيه عثارا فليقل: لعا(¬2)[32]، أو اطلع على سهو فليسدل عليه من حسن تأويلاته برقعا. وإن لم يبلغني الناظر من إنصافه ما أرجوه، فعذري باد للعيون من وجوه.
أحدها أن هذا أول مجموع أبرزته في قالب التصنيف، وأفرغت جهدي فيما يحصل به لأذن سامعه التقريط والتشنيف، مع كوني في إبان الحداثة(¬3)[33]، التي الغالب على صاحبها ألا يميز الاثنين من الثلاثة، لم أبلغ من البلاغة أشدي، ولا ثبت عند قضاة الأدب رشدي، فلا يجعل الزلل ذريعة للوقيعة والسباب، وليتذكر(¬4)[34]:
فإن يك قد أساء القول عمرو
... فإن مظنة الجهل الشباب
ثانيها: إقراري بجرأتي على تعاطي هذا الفن، بل وسائر [الفن]ون، فهيهات أن أغوص في بحار البلاغة على درها المكنون. ومن أقر على نفسه بأن بضاعته مزجاة(¬5)[35]، فهو عند الإنصاف من الاعتراض بمنجاة.
بين تأ[لي]في وتأليف الورى
... قدر ما بين الثريا والثرى
পৃষ্ঠা ৯
[ص58] ثالثها: عدم [تي]سير الآلات، التي يكلل منها قمر التوشيح ببدائع الهالات، وتنور بها [في ] حل المشكلات المقالات. وإنما يوجد من ذلك مالا يغني شيئا، ولا يمد على الطالب في هواجر المعضلات ظلا ولا فيئا.
رابعها: تقسيم الخاطر بأشجان الغربة(¬1)[36]، الجالبة للمرء غاية الكربة، وفي شغل شاغل من تصرفت فيه أيدي الدهر بالإبعاد والنأي، وفرقت مجموع شمله، فهو يترجى أن تصلح ما أفسدت وإن بعد لأي. وكيف يلفق بين كلمتين من تمهدت ذاته بيتا، أو حشر من قبر حرب(¬2)[37]، واستوت على عرش صدره عروض الخطوب فأصيب من الحوادث بكل ضرب، أو كيف يتألق مع أشجان الوحشة عارض فكر، أو تتعلق بالذهن مسألة أو تبقى له على ذكر،
يقول الناس في مثل
... ... تذكر غائبا تره(¬3)[38]
فما لي لا أرى بلدي
... ... ولا أنسى تذكره
وكيف أنسى تذكار بلدي، التي خانني على مفارقتها جلدي. بلادي التي لا يزيدها طول المديح الصادق رفعة قدر، فهي كما قال الأعرابي الذي(¬4)[39] ضلت ناقته في مدح البدر(¬5)[40].
[ص59]
পৃষ্ঠা ১০
أحن إلى الحمراء في كل ساعة ... حنين مشوق للعناق وللضم(¬1)[41]
وماذاك إلا أن جسمي رضيعها
... ولابد من شوق الرضيع إلى الأم
نسأله سبحانه، أن يقلص ذيل الغربة فقد طال، ويعطف علينا قلب الدهر فقد دان بالمطال.
وإنما ذكرت هذه الأسباب، ليعذر الواقف على الخطا، ويعلم السبب في عدم نوم القطا(¬2)[42]. على أني لو أرخصت درر نوادر القالي، لم أخلص من عدو قال، ولو أبخست شذور الأمالي، لم أخل من حقود يعكس آمالي. فجدير بي أن أصعد أنفاسي وأتمثل بقول العلامة الفاسي:
ما شانها شيء سوى أن لم تكن
... ... ممن تقادم عهده أو مشرق
والنفس مسرفة غاية السرف، [ في تنقي]ص الجديد ومدح القديم كما قال ابن شرف:(¬3)[43]
أغري الناس بامتداح القديم
... ... وبذم الحديث غير الذميم
ليس إلا أنهم حسدوا الحي
ي ورقوا على العظام الرميم
آخر:
قل لمن لا يرى المعاصر شيئا
ويرى للأوائل التقديما
[ص60]
إن ذاك القديم كان جديدا
وسيغدو هذا الجديد قديما
آخر:
إن كان أخرني دهري فلا عجب
পৃষ্ঠা ১১
... ... فوائد العلم يستلحقن في الطرر والناس يعاملون فعل القريب بالجزم، ويرفعون أمر البعيد كما قال ابن حزم:
لا ترى عالما يحل بقوم فيحلوه غير دار الهوان
هذه مكة المنيعة بيت ال له يسعى لحجها الثقلان
وترى أزهد البرية في الحجج بها أهلها لقرب مكان
وقال ابن الجوزي:
عذيري من فتية بالعراق
قلوبهم بالجفا قلب
يرون العجيب كلام الغريب
وقول القريب فلا يعجب
وعذرهم عند توبيخهم:
... ... مغنية الحي لا تطرب
وهذه سجية لنفوس الأوائل من لزوم العرض للجوهر ألزم، "شنشنة أعرفها من أخزم"(¬1)[44].
[ص61]
واعلم أيها الناظر، أن كتابي هذا ألفته، كما يقول الناس،" شحمة بفحمة، وثمرة بجمرة". ولعل ما تستخشنه، غيرك يستحسنه، وما تستقبحه، غيرك يستملحه، فلا تغير منه ما سامك بالارتياب، وإلا فأنت أجرأ من مجلحة الذئاب(¬2)[45]، وأنا قد جعلته مباحا لمن طلبه من الطلبة، ومتاحا لمن أراده من الرادة، والله يحسن النية، ويخلص من كادورات الرياء خالص الطوية، ويعصمنا من الخطل في القول، فبيده القوة والحول.
পৃষ্ঠা ১২
وترجمته لما أسرجت طرفه(¬1)[46] لفارس النظر وألجمته: المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل. وعن لي أن أقدم قبل الخوض في لجج معاني التوشيح مقدمة تكون كالرعيل لجيش أبياته، وعلما منشورا على طلائع راياته، أضمنها التعريف بناحت درره المزخرفة، والمجري مياه الفصاحة خلال أزهار روضته المفوفة، مع إضافة ما هو أوقع في نفوس الأدباء من الولد في قلوب العقيم، والشفاء في وجع السقيم، وذكر نبذ في صناعة التواشيح، واختراعها، ومخترعها، وما يكون كالذيل لذلك مما تقف عليه في حاله، وتقتضي من دينه جنى مؤجله وحاله، فانحصر القول في ذلك في سمطين.
المسلك السلك
في شرح توشيح ابن سهل
تأليف محمد الإفراني
تحقيق د/محمد العمري
أما بعد
مقدمة التحقيق
الإفراني وكتابه المسلك السهل
الرقم في أعلى الصفحة
[ص11]
ا- التعريف بالإفراني(¬2)[1]
هو محمد الصغير بن محمد الإفراني المراكشي. ذهب أبو الربيع سليمان الحوات إلى أنه ولد في حدود الثمانين والألف هجرية(¬3)[2]. تلقى تعليمه الأول في مراكش، ثم انتقل إلى فاس حيث نلتقي بخبره لأول مرة في المدرسة الرشيدية سنة 1118ه(1706م). بقي بفاس طالبا للعلم إلى حدود سنة 1130ه/1718م ثم عاد إلى مراكش وتصدر لتدريس التفسير والحديث بجامع ابن يوسف. وهناك اصطدم بفقهاء مراكش الذين كانوا يرون أن شروط تفسير القرآن لم تعد متوفرة.
পৃষ্ঠা ১৩
كان ذلك الاختلاف، في الواقع، اختلافا بين اتجاهين فكريين: اتجاه متفتح يميل إلى الاجتهاد ويأخذ بالرأي، وهو الاتجاه الذي شرعه أبو علي اليوسي وسار فيه تلاميذه وتلاميذ تلاميذه ومنهم الإفراني، واتجاه محافظ قنع بحفظ ما انتهى إليه من تفصيلات وتقنينات فقهية من وضع الفقهاء المتأخرين، وهذا الاتجاه كان يرى أن باب الاجتهاد قد سد. وقد ميز بهما منذ ذلك العصر فاعتبر اتجاه اليوسي اتجاه الدراية، والاتجاه المخالف له اتجاه الرواية(¬1)[3].
استطاع الإفراني بعد معاناة أن يتغلب على هذه الأزمة ويفرض نفسه علما متميزا في مراكش، بل في المغرب كله، تشهد لذلك أخباره ومؤلفاته الكثيرة المتنوعة.
مؤلفات الإفراني
يستفاد من سجل الإعارة بخزانة ابن يوسف بمراكش أن الإفراني كان يستعير "كتب اللغة، [ص12] والتاريخ والأدب والرياضيات والفلك، ولا سيما كتب الحديث والتصوف والإلهيات واللغة والنحو..."(¬2)[4]
لقد تجلى هذا التنوع في القراءة في تنوع مؤلفات الرجل، وتنوع محتويات المؤلف الواحد وغناه، كما نلاحظ في المسلك السهل مثلا. وعموما فقد ألف الإفراني في التاريخ والأدب والفقه.
1 التاريخ والتراجم.
هذا هو المجال الذي اشتهر به في العصر الحديث في أوساط المستشرقين والباحثين الجامعيين المغاربة الذين خصوه بعناية كبيرة. وأعماله في هذا المجال هي:
11 نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي.
طبع على الحجر بفاس بدون تاريخ. وبباريس على الحروف مع ترجمة إلى الفرنسية سنة 1888. وطبع جزء منه تحت عنوان: جملة من أخبار الدولة السجلماسية في باريس 1903. وصورت طبعة ثانية من طبعة 1888 بالرباط بدون تاريخ (في السبعينات).
পৃষ্ঠা ১৪
قال ليفي بروفانسال في حق هذا الكتاب:" نزهة الحادي كافية لتحل مؤلفها الإفراني محلا مرموقا من بين رجال الأدب المغاربة"(¬1)[5].
1 2 صفوة ما انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر.
طبع على الحجر بفاس بدون تاريخ. واختصره أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التادلي الرباطي(¬2)[6].
تمتاز الصفوة بترجمة رجال من الأرياف لم تنلهم عناية المترجمين من أهل الحاضرة.
1 3 روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف، أو الظل الوريف في التعريف [ص13] بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف.
طبع بالمطبعة الملكية بعناية عبد الوهاب بنمنصور سنة 1960م.
1 4 درة الحجال في مناقب سبعة رجال، أو زبدة الأوطاب في مناقب الأحباب. وقف العباس بن إبراهيم على جزء منه بخط المؤلف(¬3)[7].
1 5 المغرب في أخبار ملوك المغرب.
ذكره ابن سودة في الدليل(¬4)[8].
1 6 طلعة المشتري في التعريف بمحمود الزمخشري.
تقييد، ذكره في المسلك(¬5)[9]. وأورده أبو الربيع في ترجمة الإفراني بعنوان: طلعة المشتري في ثبوت توبة الزمخشري" في ورقات لطيفة"(¬6)[10].
1 7 الوشي العبقري في ضبط لفظ المقري.
ذكره الكتاني في فهرس الفهارس(¬7)[11].
1 8 تقديم أو خطبة واسطة العقدين (تلخيص وتقديم كناشتي الملك إسماعيل)
2 الأدب
2 1 المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل.
[ص11]
طبع طبعة حجرية (وسيأتي الحديث عنه).
2 2 تعليق على أرجوزته المسماة ياقوتة البيان.
شرح لأرجوزة للمؤلف في الاستعارة والمجاز عامة. عدد أبيات الأرجوزة ثلاثة وثلاثون بيتا.( مخطوط)(¬8)[12].
পৃষ্ঠা ১৫
2 3 الإفادات والإنشادات ذكره أبو الربيع سليمان الحوات، وقال فيه: "وهو تأليف لا كفاء له في الحسن"(¬1)[13].
3 الفقه
3 1 فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث(¬2)[14]
سماه الإفراني "ثبتا". وعلى صغر هذا المؤلف( أو الرسالة ) فإن الإفراني اعتمد فيه على أكثر من عشرين مصدرا. وهو يعتبر إنتاجا أصيلا بالقياس إلى تآليف هذا العصر التي لا تخرج عن نطاق الشروح والحواشي.
3 3 وللإفراني أجوبة فقهية وفتاوى كان لها صيت وقبول حسن في عصره(¬3)[15]
.[ص14]
ب التعريف بالمسلك السهل
ملابسات التأليف
ألف الإفراني كتابه المسلك السهل لشرح الموشح المشهور الذي مطلعه:
هل درى ظبي الحمى أن قد حمى
قلب صب حله عن مكنس
... ...
للشاعر الإشبيلي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، وأنهى تأليفه في أول رجب من سنة 1128ه) بالمدرسة الرشيدية(¬4)[16] بفاس، وهذا ما سجله بخطه في حاشية الصفحة الأخيرة من نسخة الأصل المخطوطة: "كان فراغي من تبييضه أوائل رجب من عام ثمانية وعشرين ومائة وألف، بالمدرسة الرشيدية من مدينة فاس. قاله مؤلفه محمد"(¬5)[17]. وكان ما يزال على ما نعلم طالب علم يسكن المدرسة المذكورة.
وهو باكورة إنتاجه، وثمرة من ثمرات الشباب. يقول في مقدمته: "..وهو أول مجموع أبرزته في قالب التصنيف، وأفرغت جهدي فيما يحصل به لأذن سامعه التقريط والتشنيف، مع كوني في إبان الحداثة"(¬6)[18]. ويقول في الخاتمة: "ولا يخفى على قريني أنها، كما يقول الناس، من الرأي العشريني"(¬7)[19].
পৃষ্ঠা ১৬
وتسعفنا خطبة المسلك السهل وبقية مباحثه في التعرف على الدافع الذي دفع الإفراني إلى الاهتمام بهذا الموشح، وهو دافع أدبي خالص، فبالأدب تتهذب النفس، وتكمل إنسانية(¬1)[20] الإنسان. وليس[ص16] أدخل في الأدب وأقدر على تحقيق هذه المهمة من موشح حاز رضا أرباب الأدب والموسيقى وإعجابهم.
وليس في حديث الإفراني ما يشير إلى دافع ديني أو تعليمي ولا سيما أن الموضوع لا يسمح بذلك، وهذا مما يميزه عن أغلبية شراح النصوص ممن ينشدون أجرا أو قربى من عملهم كما يميز شرحه عن الشروح الهادفة إلى خدمة الدين بخدمة اللغة التي هي وسيلة لفهم الكتاب والحديث كما جاء في مقدمة ابن زاكور لشرح لامية العرب: "... فإن معرفة كلامهم (يعني العرب) وسيلة إلى معرفة كلامه (يعني الرسول) وما أنزل وسبب، فكانت لذلك من أعظم الوسائل وأجل القرب، فلذلك شرحت لامية العرب"(¬2)[21].
بل نظر الإفراني في الملابسات الدينية المحيطة بشرحه، فرأى أن يحتاط للتهم التي يحتمل أن تصوب إليه، فسعى لعقد تصالح بين المفاهيم الدينية الإسلامية والمفاهيم الأدبية التي يلتبس وجه براءتها على "قوم لا يشعرون"(¬3)[22].
وجماع رأي الإفراني أن الاعتبار في الدين بما في السرائر، إذ لا يضير شئ مع صفائها. والأدب مبني على المسامحة. وقد جد الإفراني في التراث الإسلامي، ومنه حديث الرسول وسلوك الصحابة وفتاوى الأئمة وأكابر الفقهاء ما يبرر وجهة نظره المتسامحة.
পৃষ্ঠা ১৭
ولا شك أن قوة الدفاع وعنف الاتهام في عبارة الإفراني ناتجان عن وجود منكرين متشددين، يقول: "كأني بمتعسف ممتلئ الصدر بالأضغان والإحن ينكر إكبابي على إيضاح مغفل هذه الموشحة، ويحتج بأنها مشتملة على وصف الخدود والقدود، والمبالغة في وصف الراح، وكل ذلك مما هو حرام في الشريعة"(¬1)[23]. ولهذا الكلام ارتباط بالصراع الذي صورناه في كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة بين اتجاهين فكريين ودينيين في عصره.
[ص17]
ونجعل دفاع الإفراني عن الأدب والمفاهيم الأدبية التي طرحها عليه شرح موشح ابن سهل في النقط التالية:
1 التنويه بالأدب عامة. وخصص له الإفراني جزءا من خطبة الكتاب مستشهدا بسلوك الصحابة، موردا تنويه الرسول بالبيان في الحديث المشهور، مبينا أثر الأدب في تكوين شخصية الإنسان وتمييزه عن الحيوان بقوله: "ولعمري إن كل من لا يتعاطى الأدب، ولا ينسل لاجتلاء غرره، واجتلاب درره من كل حدب، ما هو إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مرسلة"(¬2)[24]. ويعود لهذا الموضوع من حين لآخر عازيا التفاوت في الأدب إلى التفاوت في البلاغة. وهذه الانطلاقة في التأليف، وما فيها من هجوم على خصوم الأدب تعبر عن ذكاء الإفراني، فبعد أن أحل الأدب المكان اللائق به من الاحترام انتقل إلى التنويه بموشح ابن سهل، وتفضيله على غيره، تبريرا للاشتغال به.
2 تبرير شرح نص غزلي. وذلك في مبحث (الزهر الغض في الرد على من عاتب في التوشيح أو غض). عرض الإفراني هنا موقف الدين من الغزل معتمدا على فتوى مفصلة لواحد من أشهر فقهاء المغرب وهو ابن رشيد الفهري السبتي. كما عمم الحديث فناقش بالمناسبة موقف الدين من الرثاء مبينا الحد الفاصل بين الجائز منه والممنوع، وأثر الأدب في تخفيف ألم أهل الفقيد.
পৃষ্ঠা ১৮
3 دفع الالتباس العالق ببعض التعابير المجازية. إذ كثيرا ما أدى التمسك بظاهر النصوص الدينية إلى تأثيم بعض التعابير. فمن ذلك انتقادهم شكوى الشعراء من الدهر، واعتبار ذلك خروجا عن هدي الحديث النبوي: "لا يقل أحدكم يا خبث الدهر، فإن الله هو الدهر"(¬1)[25]. ومن المشددين في هذه المسألة بعض شيوخ الإفراني الذين أنكروا قول سعد الدين التفتازاني في طالعة المطول: "فلقد جرد الدهر على أهلها سيف العدوان"(¬2)[26]. ويحسم الإفراني الأمر لصالح التعبير الأدبي مستعينا ببحث موسع [ص18] "لحافظ المغرب والمشرق، أبي عمر ابن عبد البر"(¬3)[27] في استشهاده بسلوك الصحابة والتابعين. والذي ينبغي تسجيله، بكثير من الاهتمام، استقلال الإفراني عن رأي شيوخه في هذه السن المبكرة.
ومن التعابير التي أثارت ضجة أدباء فاس منذ العصر المريني قول محمد الربيب في سيف إدريس المنصوب بمنار جامع القرويين(¬4)[28]:
وما خص إدريس المنار بسيفه
لغم، ولكن كي يعم نداؤه
مشيرا: أجيبوا داعي الله تأمنوا،
ومن لم يجب داعيه هذا جزاؤه
وكان ابن الأحمر قد انتقد قول هذا الشاعر في كتابه نثير الجمان ذاهبا إلى أن تارك الصلاة لا يقتل، فرد عليه أستاذ الإفراني أحمد بن عبد الحي الحلبي، وعلى ما كتب بطرة كتابه المذكور، من أنه يقتل بقوله: "قلت: وهذا كله تعسف بلا فائدة، وإنما جرى هذا الكلام مجرى المبالغة"(¬5)[29]. لقد التبس على الإفراني رأي شيخه في هذه المسألة فنسب إليه نقيضه، وقد بينا ذلك في مكانه.
পৃষ্ঠা ১৯
ويدل على اهتمام الإفراني بهذا الموضوع أنه جرد كراسة في حكم الاقتباس في وقت مبكر من حياته ذكرها في المسلك السهل(¬6)[ 30]. كما تدل مناقشته لهذه القضية ولغيرها في المسلك السهل بروح متفتحة على ما يمكن أن يطبع موقفه من مرونة في هذه الكراسة. وهي مرونة تطبع موقف الإفراني في كتابه فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث بطابعها، كما تطبع الاتجاه الذي ينتمي إليه هو وجميع الأدباء المتأثرين بأبي علي اليوسي، الميالين إلى التصوف؛ إذ يرون أن الحكم في ذلك لصفاء سريرة [ص19] الإنسان. ولهذا الموقف علاقة برواج ديوان ابن الفارض في هذا العصر، وهو من الدواوين القليلة التي ذكرها الإفراني ضمن مصادره في المسلك السهل إلى جانب كتب الأدب واللغة(¬1)[31].
ولا يبعد أن يكون المحتوى الأدبي للمسلك السهل من ضمن مواد طعن فقهاء مراكش في أهلية الإفراني عندما تصدى لتدريس التفسير والحديث بجامع ابن يوسف.
موقع المسلك السهل
اهتم المغاربة بشرح النصوص الشعرية، لا سيما في العصر المريني والسعدي وما بعدهما. ويمكن تقسيم ما خلفوه من شروح، حسب موضوع النص والغرض المتوخى من الشرح، إلى ثلاثة أنواع:
পৃষ্ঠা ২০
1 شرح نصوص دينية تتعلق في الغالب بمدح الرسول(¬1)[32].وتثير قضايا تصوفية، مثل شرح البردة لسعيد بن سليمان السملالي المتوفى سنة 382ه(¬2)[33]. وشرحها لمحمد بن عبد السلام بناني المتوفى سنة 1163ه. وشرحها لأحمد بن عبد الوهاب الوزير الغساني المتوفى سنة 1146ه. ومن أحسن الشروح منهجا ومادة شرح ابن مرزوق: إظهار صدق المودة في شرح البردة. ومن ذلك أيضا شرح الهمزية فقد شرحها محمد بن عبد الرحمن الصومعي(¬3)[34] والحضيكي(¬4)[35] المتوفى سنة 1185ه، وبنيس(¬5)[36]، ومحمد بن زكري المتوفى سنة 1144ه، وشرح بانت سعاد كل من أبي الحسن بناني والحضيكي السالف الذكر.
[ص20]
وهذه الشروح تجمع من المادة التاريخية واللغوية والبلاغية والفوائد الأدبية قدرا وافرا، كما أنها مفعمة بالخوارق والخرافات.
2 شروح تستهدف غاية لغوية تعليمية لتيسير فهم النص لمن يريد تناوله من الطلبة، ومن هذا النوع الفريد في تقييد الشريد لأبي القاسم الفكيكي(¬6)[37]، ونيل الأماني في شرح التهاني لأبي علي اليوسي المتوفى سنة 1102ه(¬7)[38].
وقد يكون هدف الشارح خدمة اللغة العربية التي بدونها لا يمكن فهم "كتاب الله وسنة رسوله". وهذا الغرض كثيرا ما ينص عليه لدفع تهمة العبث وضياع الوقت.
পৃষ্ঠা ২১
3 شروح تتجه إلى القيمة الأدبية للنص المشروح، وتعتبر الشرح اللغوي والإعراب والتخريجات البلاغية وسيلة لاجتلاء درر المعاني، وهذا هو الاتجاه الذي يسير فيه الإفراني. ومن الشروح التي سبقت شرح الإفراني في هذا الاتجاه إتحاف ذوي الأرب في مقاصد لامية العرب لسعيد المغوسي(¬1)[39].
ومن الملاحظ أن معاصري الإفراني قد ساهموا في هذه الاتجاهات الثلاثة.
أما الظاهرة البارزة التي تنتظم أغلب العصور فهي اتجاه الشراح إلى نصوص بعينها، وعلى رأسها البردة والهمزية وبانت سعاد ولامية العرب وديوان الشعراء الستة وديوان الحماسة.. وذلك ما يجعل هذه الشروح مكرورة وغير مجدية أحيانا، إذ يصعب التعرف على ما هو أصيل فيها وما هو منقول، وقل من تناول موضوعا بكرا بعمق وإجادة، وخصوصا في العصور اللاحقة لعصر الإفراني، وهذا ما يعطي المسلك السهل قيمة كبيرة في نظرنا.
ليس فيما وصل إلى أيدينا من أخبار الإفراني تعليق على قيمة كتابه المسلك السهل غير قول [ص21] أبي الربيع سليمان الحوات: "وله تآليف عديدة، جامعة لفرائد الفوائد المفيدة، ومنها، وهو أول ما ألف، المسلك السهل في توشيح ابن سهل ، وهو وحده يدل على قوة عارضته وامتداد باعه(¬2)[40]". وفي العصر الحاضر قال ليفي بروفنسال في حق المسلك السهل كذلك: "وهو كتاب متداول اليوم عند الأدباء المغاربة"(¬3)[41].
পৃষ্ঠা ২২