عليهم السلام من أن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله إنما كان بالمسح وكذلك كان وضوء أمير المؤمنين عليه السلام مع أن هذه الرواية التي تمسك به البخاري في تحتم الغسل والمنع من المسح وعنون الباب المذكورة فيه بذلك لا دلالة فيها بعد تسليم صحتها على ما زعمه لأنها إنما تضمنت أمره صلى الله عليه وآله بغسل الأعقاب فلعله لنجاستها فإن أعراب الحجاز ليبس هو أهم ومشيهم في الأغلب حفاة كانت أعقابهم تشقق كثيرا كما هو الآن مشاهد لمن خالطهم فكانت قلما تخلو من نجاسة الدم وغيره وقد اشتهر أنهم كانوا يبولون عليها ويزعمون أن البول علاج تشققها فإن صدر عنه صلى الله عليه وآله أمر بغسل الأعقاب فهو لإزالة النجاسة عنها وأيضا فليس في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وآله نهاهم عن مسح الرجلين وإنما تضمنت أمرهم بغسل أعقابهم لا غير وتخصيصه صلى الله عليه وآله الأعقاب بالذكر وسكوته عما فعلوه من المسح يؤيد ما قلناه وأيضا أن عبد الله بن عمر والصحابة الذين توضؤا معه ومسحوا أرجلهم كما نقلهم عنهم لم يكن مسح أرجلهم في الوضوء اختراعا منهم وتشهيا من عند أنفسهم بل لا بد أن يكونوا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وآله أو شاهدوه من فعله إذ العبادات لا تكون بالاختراع والتشهي وإنما هي أمور توقيفية متلقاة من الشارع فهذه الرواية عند التأمل حجة لنا لا علينا كما أن الآية الكريمة كذلك وأما ما نقلتموه عن أمير المؤمنين عليه السلام فيكذبه ما نقله علماؤكم من أن أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يمسحون أرجلهم في الوضوء وينقلونه عن أبيهم ولا شك أنهم أعلم منكم ومن فقهائكم الأربعة بشريعة جدهم وعمل أبيهم سلام الله عليهم أجمعين وأما ما نقلتموه عن ابن عباس فهو ينافي ما اشتهر عنه ونقلتموه في كتبكم من أن مذهبه المسح وأنه كان يقول الوضوء غسلتان ومسحتان من باهلني باهلته وأما ما نقلتموه عن عايشة وعمر بن الخطاب فقد تعلمون أنه غير رايج لدينا فلا يصير علينا حجة درس ومما استدلوا به أن غسل الرجلين هو قول أكثر الأمة وفعلهم في كل الأعصار والأمصار من زمن النبي صلى الله عليه وآله إلى هذا الزمان وأما من عداهم من الفرق الثلاثة الأخر أعني الماسحين والجامعين والمخيرين فهم بالنسبة إلى الغاسلين في غاية القلة ونهاية الندرة وقول الأكثر أقرب إلى الحقية من قول الأقل وأيضا فكيف تعتقدون أيها الماسحون أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمسح رجليه مدة حياته ثم لما توفاه ربه إليه اخترع سلف أصحابنا الغسل تشهيا من عند أنفسهم وادخلوا في الدين ما ليس منه بمحض رأيهم من دون أمر باعث عليه أو سبب مؤد إليه واعتقادكم هذا يحكم بفساده كل ذي مسكة وأيضا فإنه صلى الله عليه وآله كان يتوضأ في الغزوات وغيرها بمحضر جم غفير من الأمة يشاهدون أفعاله وينقلون أقواله فكيف نقل إليكم المسح ولم ينقل إلينا وكيف اختصصتم أنتم بالاطلاع على هذا الأمر الظاهر البين من دوننا وأجاب أصحابنا عن الأول بأن الكثرة لا تدل على الحقية بل ربما كانت دلالتها على البطلان أقرب فإن أكثر أهل الحق في جميع الأعصار أقل من أهل الباطل ألا ترى أن المسلمين في غاية القلة بالنسبة إلى من سواهم ألا ترى أن الفرقة الناجية منهم واحدة لا غير والفرق الهالكة اثنتان وسبعون فرقة كما نطق به الحديث المشهور فكيف تجعلون الكثرة بعد هذا دليلا على الحقية وعن الثاني والثالث بأنهما وارد أن عليكم أيضا ولم تجوزون على سلفنا الاختراع في الدين ولا تجوزون على سلفكم على أن تطرق الشبهة إلى ما
পৃষ্ঠা ২৯০