تشقى كما تشقى الرجال وتسعد
ولما سكن الأنس في الإنسان، وجمع بين أشتاته الاقتران، أنف البادية وأبى، وألف الحاضرة وصبا، فجعل ينصب المداين، ويغرس الجناين، فعوض الخيام بالقصور، والدمن بالزهور، والأوتاد بالدعايم القوايم، والأطناب بالقناطر العظائم، فيتحاشى غوايل الأخطار، وسوايل الأمطار. حتى إذا ما اشتغل بمحل دون آخر، حيثما المقام آثر، هرع إليه الجوار، وأخذوا يستزيدون العمار. وإذ اتسع المحيط، وعظم الخليط، قيل بنى الأمير المدينة، أو دخل نوح السفينة. وهكذا تنشأ البلاد، وينتظم شمل العباد. وبقدر أهمية المركز تتسع الدائرة، وعلى قبول تلك السعة تقبل الزايرة. وربما أصبحت المدنية مقاما عميما، أو عالما عظيما، إذ تعود مشهدا لعجايب الخليقة، ومحل كل وهم وحقيقة، فتموج فيها الناس موج البحور، وتصب إليها الركبان صب النهور، وترن في أسواقها قعاقع الآلات، وتحتبك في شوارعها معامع المركبات، وتنفتح ساحاتها لدخول الملذات والآلام، وتنطبق قاعاتها على عجاج الغموم والأنغام، حتى تجمع بين الأفراح والأتراح، وتوالف بين الفساد والصلاح، فتكون مرسحا لضوضاء البشر، وموقعا لوقايع الصور. ولم تزل تتقوى تلك القوة، وتتعظم تلك السطوة، إلى أن يحقد عليها الزمان، وتنهرها طوارق الحدثان، فتأخذ بالرجوع القهقري، ونقصان العبقري، حتى تصبح رمة في البوادي، ومندب الروايح والغوادي. وهاك بابل ونينوى وصور، وما شاكلها من ربات السور، ومن يعلم ما ستئول إليه مدينة باريس، هذا المقام الأعلى والبلد النفيس، حيثما أنا الآن أسحب مطارف المرح، وأحسى كئوس الفرح، متمنطقا بعجايب الآثار، ومنشدا على قوس الانتصار.
موشحا
بان في باريس لي كشف السما
فوق قوس النصر لا في بطمس
حيثما عاينت فيها كلما
طاب للأعين أو للأنفس
دور
يا أخا الذوق على ذا القوس قف
وأرسل الطرف إلى كل الجهات
অজানা পৃষ্ঠা