( اعلم) إن العلماء اختلفوا في بيان الروح وتعيين ماهيتها فمنهم من ذهب مذهب الوقوف عنها قائلا: إن الله تعالى لم يخبر نبيه عن ماهيتها فالوقوف بنا أحق قال بعضهم:
والروح ما أخبر عنها المجتبي=
فنمسك المقال عنها أدبا
وقال الجنيد([1]): الروح شيء استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه أحدا من خلقه فلا يجوز لعباده البحث عنها بأكثر من أنها موجودة، وخاض آخرون في بيانها متأولين للأمر بالكف عن بيانها في قوله تعالى ((قل الروح من أمر ربي))([2]) قائلين: إنه عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول هكذا ليوافق ما في التوراة فتكون تلك الموافقة آية لنبوته وذلك أن اليهود أمروا قريشا أن يسألوه عليه الصلاة والسلام عن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، وعن الروح، وقالوا لهم: إن أجاب عليها كلها أو وقف عنها فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي. فأجاب عن الأولين وأبهم أمر الروح لأنه مبهم في التوراة قيل: والصحيح أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وأطلعه الله على ما أبهم عليه من أمر الروح وغيرها أي مما يمكن اطلاعه عليه لا على جميع معلوماته تعالى، لأن علم البشر بجميعها محال ولا ينافي هذا قوله ((ولا أعلم الغيب))([3]) قيل لاحتمال أن يكون قال ذلك القول قبل اطلاعه على الغيب، والظاهر لا منافاة مطلقا أي وإن قالها حال الإطلاع لعموم الغيب، وخصوص العلم الحادث (واختلف) هؤلاء الخائضون في بيانها على مذاهب.
(أحدها) أن الروح هي الدم واستدلوا بأنه لا يفقد من الميت إلا دمه ويرد عليهم بأنه قد يذهب بعض الدم بجرح ونحوه فيلزم نقصان الروح بحسب نقصان ذلك الدم وهو باطل.
(ثانيها) وهو المروي عن أصحاب مالك([4] أن الروح هي جسم ذو صورة كصورة الجسد في الشكل والهيئة. قال
الباجوري: فإن اصبغ نقل عن ابن القاسم([5]) عن عبد الرحيم بن خالد قال: الروح ذو جسم ويدين ورجلين وعينين ورأس تسل من الجسد سلا.
পৃষ্ঠা ৮৪