( واعلم) أن المعتزلة قصروا الإرادة على الأمر، وقالوا: لا يصح أن ينهي عن شيء وهو يريد وقوعه أو يأمر بشيء وهو لا يريد وقوعه، إذ ليس من الحكمة ذلك فلو فعله عاقل عد عابثا ونحن نقول: إن الإرادة لا تلازم الأمر بل يجوز أن يأمر بشيء وهو لا يريد وقوعه، وينهى عن شيء وهو يريد وقوعه، وليس ذلك عبثا بل فيه حكمة هي ابتلاء العب واختبارهم ((ليبلوكم أيكم أحسن عملا))([1]) وابتلاؤهم واختبارهم لا لجهل بما يصنعون بل لإظهاره للخلق ما علم أنه صادر منهم وإلزام الحجة لهم لئلا يكون للناس على الله حجة فلو شاء أن يعذبهم بغير ذلك لكان منه عدلا، لأنه هو المالك لهم من غير معارض، والمالك الذي لا معارض له متصرف في مملوكه كيف شاء والظلم يصدر من المالك المعارض في ملكه، (أما قولهم) ليس من الحكمة أن يأمر بشيء وهو يريد خلافه، (فجوابه) أن ذلك من الحكمة إذا كان لمعنى آخر ألا ترى أن السيد إذا كان له عبد يعصيه في أمره وهو يعلم ذلك منه ويريد أن يظهر عصيانه مع غيره فإذا حضر مع جماعة قال له: افعل كذا وكذا وهو لا يريد فعل ذلك الشيء وإنما أراد إطلاع الحاضرين على عصيانه هل يعد هذا السيد عابثا في أمره..؟
পৃষ্ঠা ১৮২