মাশাহিদ মামালিক

ইদ্বার ইলিয়াস d. 1341 AH
100

মাশাহিদ মামালিক

مشاهد الممالك

জনগুলি

قمنا في اليوم التالي على قطار يشق الجبال شقا، ويخترق الأودية والسهول، فيمر في مناظر بهجة للغاية، ويدور من حول الجبال فلا يخترق قلب الأرض في نفق أو سرداب إلا اضطرارا، وفي هذا مزية للأميران على الأوروبيين في سككهم الحديدية؛ فإن أهل أوروبا يحفرون للأرتال نفقا تحت الأرض كلما وصلوا إلى جبل، فإذا ما دخل القطار مثل هذا النفق لم ير المسافر غير الظلام الدامس، وفاته منظر الجبال وسفحها، وأما في أميركا فإنهم يجتنبون النفق ما أمكن، ويعرجون من حول الجبل بدل اختراقه فيتسنى للراكب في بلادهم أن يمتع نظره بأحسن المناظر الطبيعية، وظللنا على المسير في هذا القطار حتى بلغنا منابع كريسون، وهي عيون من الماء الحديدي فيه نفع للأبدان وعافية يقصدها كل ذي علة يستشفي بمائها المعدني، فتفرجنا عليها وشربنا ثم عدنا إلى القطار وعاد يخب في الأرض خبا ويرينا من أشكال الطبيعة عجبا، حتى وصلنا مدينة بتسبرغ المشهورة؛ فنزلنا في محطتها ولقينا العربات معدة لنا على مثل ما رأينا كل موضع زرناه مدة هذه السياحة.

ومدينة بتسبرغ هذه ثانية مدائن ولاية بنسلفانيا يبلغ عدد النفوس فيها ثلاثمائة ألف أو يزيد، ولها موقع بديع ما بين نهري الجاني ومونونجاهيلا يلتقيان فيها، ومنهما يتفرع نهر أوهايو. وتجاه هذه المدينة مدينة أخرى اسمها الجاني على اسم النهر الذي ذكرناه، وفيها من النفوس حوالي 130 ألفا، والبلدان يعدان في عرف الأكثرين مدينة واحدة؛ لأنهما يفصل بينهما ذلك النهر فقط وفوقه جسور عديدة وطرق شتى للاتصال، وهذه المدينة حديثة العهد مثل أكثر مدن الولايات المتحدة، فإن تأسيسها كان في سنة 1754 حين بنى بها القائد الفرنسوي دوكين قلعة سميت باسمه، واستولى عليها الإنكليز بعد ذلك، ثم أخلوها بعد انخذالهم في حرب الاستقلال، فعمر المدينة لا يزيد عن 144 سنة، وهي في وسط إقليم كله حديد وفحم حجري تكثر فيه المناجم لاستخراج هذين المعدنين حتى إنهم ليخرجون من أربعة مراكز في مليونين ونصف مليون طونلاتة من الحديد، وعشرين مليون طونلاتة من الفحم الحجري في كل سنة، ويخرج من الإقليم فوق أربعين مليون من زيت البترول، وبذلك تعلم أهمية هذه الجهة من جهات الولايات المتحدة ووفرة غناها في المعادن، ومعلوم أن زيت البترول هذا على شهرته الحالية لم يعرف إلا من نحو مائة عام فقط، ولم يشتهر استعماله إلا في سنة 1821 وقد حسبوا طول الأنابيب التي يسير فيها البترول هنا، فإذا هو 1200 ميل ومقدار الزيت الذي يجري فيها مليار قدم مكعب.

وسرنا بعد هذا إلى معامل الحديد العظيمة، وأشهرها معمل الخواجات تومسون، يعمل فيها العاملون بنحو ستمائة ألف طونلاتة في كل سنة، أكثرها قضبان لسكك الحديد، وفيها أفران هائلة لتذويب الحديد وسكبه وتليينه يسميها العمال جهنم، وهم يزيدون في هذا المعمل عن ستة آلاف عامل، اعتصبوا مرة وأضربوا عن العمل؛ بغية أن تقلل لهم ساعات العمل وتزاد الأجور، فاقتضى لتسكين هياجهم أن تجرد الحكومة عليهم فرقة منظمة من الجيش ومعها المدافع، وقائدها جنرال من قواد الجيش الأميركي. وتحولنا بعد زيارة هذا المعمل في أنحاء المدينة، وصعدنا إلى قسم منها فوق قمة جبل واشنطن، وهو مسكن الأكابر وأهل اليسار، ولما كان الصعود إليه والنزول عسرا بسبب علوه صنعوا آلات تصعد وتنزل بقوة البخار، وتنقل الناس والبهائم والحاجات لها، وهي على شكل الآلات المستعملة في جبال سويسرا إلا أنها أسرع سيرا؛ لأنها تصعد وتنزل على خط مستقيم والركوب فيها يخيف الذي لم يتعود استعمالها، والذي يصعد القمة بهذه الطرق يرى منظرا يعز نظيره، فإنه في وسط بلد زاهر فخيم المباني، ومن تحته معامل يتصاعد منها الدخان فيحجب منظرها عن العيون، والنهر في الجانب الآخر ينساب فيه الماء انسياب الأفعى فيفتن بجماله الناظرين.

وفي هذه المدينة أبنية كبرى أنفق عليها الملايين، وهي تضارع أجمل ما رأينا في مدن أميركا الأخرى، من ذلك بناء البنك العمومي والبنك المحلي والبوسطة وغيرها. والبواخر التي تسير فوق الماء من هذه المدينة وإليها في داخلية الولايات المتحدة تجتاز مسافة عشرين ألف ميل في جوانب البلاد من هنا ومن هنا؛ لأنها تجري على ثلاثة أنهر، فيبلغ مجموع ما تنقل مليون طونلاتة ونصف مليون في العام، وهي كل عام في ازدياد. والذي يسافر على هذه البواخر في هذه الأنهر يرى كل ما يسر الخاطر من جمال الطبيعة وتقدم الصناعة في بلاد الحرية، وكان حاكم هذه المدينة شديد الاهتمام بما يسر المندوبين ويريهم اقتدار مدينته، حتى إنه أمر بإضرام النار في منزل، وأرسل إليه رجال المطافئ بمضخاتهم وطلمباتهم على مرأى منا ومسمع، فأرانا كيف يجد أولئك الرجال في المسير على تلك العربات الثقيلة، وهي تقرقع وهم يصيحون ويقرعون الأجراس تنبيها للمارة حتى يفروا من طريقهم ولا تصدمهم العربات في عدوها السريع، وأكثر رجال المطافئ في أوروبا يسيرون على مثل هذا عند حصول الحرائق، ولكن الأميركان امتازوا بحسن نظامهم وسرعة قيام المطافئ عندهم إلى محل النار، وإيصال المساكن كلها بأجراس كهربائية إلى مقر العمل حتى إن مدينة لندن مع اشتهارها بالنظام والإتقان في كل الأعمال لما أرادت أن توصل أعمال المطافئ إلى درجة الكمال أرسلت أحد رجالها المشهورين إلى مدن أميركا؛ ليتعلم فيها طرق الأميركان، وينقل المفيد منها إلى بلاده.

وسرنا في صباح اليوم التالي على القطار الخاص إلى إقليم الزيت، ووقفنا في بلدة تعرف باسم أويل ستي أو مدينة الزيت، وبعد الغداء في الفندق الذي أعد لنا توجهنا إلى مناجم البترول، وكنت أظنها في أرض قاحلة قفرة، شوه الزيت ظاهرها، وأحرق الكلأ والعشب فلم يبق غير منظر قبيح ورائحة كريهة، فرأيت الحال على غير ما ظننت؛ لأن الأرض هنالك مكسوة كلها بالخضرة البهية، وفيها مئات من الآبار يستخرج زيت البترول منها، وهي تختلف حجما وعمقا، فمنها ما يقل عمقه عن ثلاثمائة قدم، ومنها ما يزيد عن ثلاثة آلاف، وهي كلها تستخدم فيها الطلمبات لإخراج الزيت منها إلى أقنية تجري فيها جداول وتصب من بعد ذلك في حوض كبير، ومنه يؤخذ الزيت ويعلل بالطرق المعروفة عندهم، ثم يوضع في الصناديق الصفيحية، ويرسل إلى جوانب الأرض، وهو متى خرج من البئر يعرف بصفائه، ولكن النزح يؤثر فيه، فإنه يختلط بالأكدار كلما أخذ منه شيء وقل الموجود في البئر، فإذا كثرت أكداره تركوه يوما أو يومين ريثما يعود إلى النقاء، ثم عادوا إلى نزحه، وبعض هذه الآبار تنشف بعد نزحها مرات معلومة فيتركها أصحابها ويحفرون آبارا أخرى على مقربة منها، وهم يربحون منها الأموال الطائلة حتى إن أكبر أصحاب الملايين اليوم هم تجار الزيت وأصحاب الأسهم في سكك الحديد، وكان أحد المهندسين الأميركيين مدة وجودنا عند هذه الآبار يشرح لنا طرق استخراجها وشحنها وتنقيتها، ويوضح كل ما أشكل علينا حتى إذا انتهينا من هذه الفرجة عدنا إلى القطار، فعاد إلى المسير في وسط أراض شهية ومناظر بهية، ظهر لنا في آخرها بحيرة مشيغان، وهي أكبر بحيرات أميركا، ليس لها في أوروبا نظير من حيث الاتساع، طولها 360 ميلا وعرضها 108 وعمقها 900 قدم. وتقدمنا إلى ما وراء هذه البحيرة، فمررنا ببحيرة أصغر منها تعرف باسم تشور، وبعد 12 ساعة وصلنا إلى بلدة أري بنيت على بحيرة بهذا الاسم، ولها منظر بديع، وهي من الأماكن التاريخية في الولايات المتحدة حصل فيها معركة بين الإنكليز والأميركان في الحرب الثانية بعد الاستقلال، وكان النصر في هذه المعركة للقائد الأميركاني بري، فإنه حطم سفن الإنكليز وملك الموقع سنة 1813، وبتنا تلك الليلة في فندق ريد بهذه المدينة. وفي ثاني الأيام أراد حاكم المدينة أن يدعو المندوبين إلى رؤية البحيرة وجوانبها، وهي من البحيرات العظيمة، طولها 290 ميلا وعرضها 60 ميلا، ولها اتصال ببحيرتي هورون وبحيرة أونتاريو، ويخرج منها نهرا دتروا ونياغرا، فاستأجروا لهذه الغاية باخرة جميلة قمنا فيها وسارت تجري في ماء البحيرة تارة توغل في عرضها وطورا تنتقل بين الشطوط وتشرح الصدور بمرأى هاتيك الضفاف البهية والمنازل العظيمة التي رصعت بها تلك الأرض الطيبة فعدنا في المساء وكلنا ألسنة تلهج بحسن تلك المناظر.

بفالو:

وتركنا هذه البلدة في اليوم التالي، فاستقر بنا النوى بعد ذلك في مدينة بفالو، وهي من مدن أميركا العظيمة التي تقدمت تقدما سريعا لا مثيل له في تاريخ المدن الأوروبية؛ لأنها بنيت في سنة 1825، وعدد سكانها الآن يزيد عن ثلاثمائة ألف، وهي في وسط سهول فسيحة، وفيها مروج خضراء وحدائق غناء، وقد أطلق عليها اسم بفالو أو جاموس؛ لأنها كثيرة المرعى؛ ولأن هذا الحيوان يستقي من نهرها، وهي ذات هواء طيب وماء عذب، يقصدها المهاجرون من كل ناحية وتزيد على نسبة كبرى كما تقدم القول، وفيها معامل مشهورة للجعة والصابون والنشا يشتغل بها ألوف من العمال أكثرهم من الألمانيين والأرلانديين، ويصدر من معاملها لهذه الأصناف الثلاثة ما تقدر قيمته بمائة مليون ريال كل سنة.

نياغارا:

ويعلم القارئ أن غاية هذه السياحة اللطيفة الوصول إلى نياغارا، وهي أعظم شلالات الأرض طرا وأكثرها غرابة وجمالا، قل أن يجيء الولايات المتحدة زائر أو سائح ولا يقصدها، وعلى ذلك فنحن عدنا إلى المسير حتى وصلنا إلى هذه الشلالات العظيمة، وهي واقعة في حدود الولايات المتحدة من جهة الشمال حتى إن قسما كبيرا منها تابع لبلاد كندا الإنكليزية، فبعد أن استرحنا قليلا في أحد الفنادق قمنا لنرى أعظم المشاهد التي جئنا لأجلها، وهي تلك الشلالات العجيبة التي تلتقي فيها أربع بحيرات كبرى، هي أري وهورون ومشيغان وسوبيريور، يخرج منها نهر نياغارا في عرض 4750 قدما، وينصب فيه من الماء نحو 15 مليون قدم مكعب في كل دقيقة، وهذا المقدار الهائل من الماء ينحدر من علو 167 قدما إلى واد كبير الصخور فينحط عليها بقوة لا توصف، ويحدث ضجة تصم الآذان ومنظرا لم تكتحل بمثله عين إنسان، هذا هو الجانب الأميركي من الشلال العظيم ومجموع الشلالات المعروف باسم نياغارا، وتجاهه القسم الكندي، وهو كثير الاتساع يعرف باسم «نعل الحصان»؛ لأنه يشبه النعل في تكوينه، ويجري الماء هنالك في عرض 3000 قدم، فينحط من علو 158 قدما إلى واد بهيج، ولشدة انحدار الماء يتكون منه قوس من القطرات يحيط بها هالة من الضباب تزيد منظره رونقا ومهابة، وما أخطأ القائلون إن نياغارا أفخم ما في الطبيعة من المناظر، ولطالما تغنى شعراء الفرنجة في وصف هذه الأماكن العجيبة، وعني المصورون برسمها، حتى إن واحدا منهم قضى 17 عاما في رسم وتصوير نقلا عن بدائع الطبيعة في ذلك المكان. وقد اهتم الإنكليز والأميركان في بناء الحواجز والأرصفة حول هاتيك السيول المتدفقة وبنوا الفنادق والمتنزهات إلى جانبها، فصارت السياحة حول نياغارا من ألذ ما يمكن التمتع به، هذا غير أنهم اهتدوا من عهد قريب إلى استخدام القوة الكبرى الناشئة عن انحدار الماء في تلك الشلالات لتوليد الكهربائية، وهم الآن ينيرون بعض المدن بالقوة الكهربائية المتولدة منها، وفي نيتهم أن يتوسعوا في العمل ويجروا القوات وينيروا الجهات بهذه القوة الغريبة. والذي يقف إلى مقربة من ذلك السيل المنحدر ويتأمل غرائب الطبيعة يضيع في التأمل وينسى الذي كان فيه، وإذا كان مع صديق إلى جانبه لم يسمع له قولا ولو صرخ بملء صوته؛ لأن هدير الماء في انحداره وصوت التطامه بالصخور يصم الآذان. والماء إذا ما استقر في تلك الأودية بعد انحداره الغريب سار في النهر الذي يقل عجيجه حينا، وحينا يصل مقدار الماء الهائل إلى مضيق من الأرض يجري فيه أو إلى نقطة من مجراه تكثر فيها الصخور، فينشأ عن ذلك منظر يقرب في الغرابة من انحدار ذلك السيل الغريب؛ لأن الماء تتعالى أمواجه ويشتد في السير هياجه، فيؤثر ذلك على ذهن السامع والرائي تأثيرا لا يمحوه الزمان ولو طال.

وقد مر بك القول إن القوم اهتموا لتشييد الفنادق وإقامة المتنزهات حول هذه الشلالات، وساعدهم على هذا خصب الأرض وكثرة الماء يروي الغرس والزرع، حتى إن الأشجار التي تنمو على ضفاف تلك المجاري تكبر إلى حد عجيب، وهم قطعوا بعضا منها وعرضوها في المعرض مع غرائب البلاد، وقد كان اجتماع المحاسن الطبيعية في هذا الموضع داعيا إلى توافد الأفراد والجماعات عليه من كل صوب، فلا يقل عدد الزائرين كل عام عن نصف مليون، وكثير من الذين يتزوجون في الولايات المتحدة يقصدون نياغارا في الشهر الأول بعد الاقتران، وهو يعرف عندهم بشهر العسل، فيختلي المرء بعروسه مدة الشهر في أرض كلها دواع إلى الفكر والتأمل وتناسي زحام الدنيا ومشاغلها، ويروق للمتزوجين ذلك الشهر. وفوق هذا، فإن بعضا من أصحاب الهوس تعلقوا من عهد قريب على أمر ينهى عنه العقل، وهو أن ينحدروا مع الشلال في نياغارا ويصلوا إلى طرفه الأخير سالمين، وفي ذلك من الخطر العظيم ما لا يخفى، ولكن كثيرين منهم حاولوا ذلك فراحوا ضحية الهوس والمخاطرة الكبرى، وكان أكثرهم يضعون أنفسهم في براميل محكمة السد علها تقيهم من ضغط الماء وفعل الأمواج المتلاطمة، فما نجا منهم أحد، وكان في جملة هؤلاء الناس إنكليزي اسمه الكبتن وب، اجتاز بحر المانش الكائن بين فرنسا وإنكلترا سباحة، ولم يعبأ بكثرة أمواجه، ونال من وراء ذلك شهرة وجمع له بعضهم مكافأة بالاكتتاب بلغت ألف جنيه، فذهب هذا الرجل بعد حين إلى نياغارا مع امرأته، وهناك أراد فعل المستحيل ولم يصغ لنصائح امرأته وإلحاحها، وكانت النتيجة أنه اختفى في عباب ذلك البحر العجاج، ولم يقف له الباحثون على أثر، وكان قد قصد نياغارا لتمضية شهر العسل مع عروسه فخيب منها الآمال. وقد خربت جسور بنيت فوق هذا التيار لقوة سيره، فجعلوا الآن كل الجسور من النوع المعلق التي تقف على عمد في طرفي الأرض من الجانبين، وليس لها قوائم ولا عمد في الماء.

অজানা পৃষ্ঠা