عبقرية الصباح
هناك أنواع من العبقرية يحسها الإنسان في ظروف وأوقات من حياته مهما ظن أنه متبلد في ذهنه مغمور في مركزه بعيد عن الابتكار.
فنحن نجد العبقرية في الإحساس والذهن حين نحب؛ إذ نجد في شخصية الفتاة التي نحبها من المعاني ما يجهله أعظم الأذكياء، فنقرأ في عينيها لغة لا يفهمها غيرنا، ونحس من يدها كهرباء لا يحسها غيرنا، ونتنسم من ابتسامتها هواء لا ينتعش به سوى قلبنا، ونستطيع أن نشرح معاني السعادة في كتاب وفق ما وجدنا من لحظات الحب بأعظم وأدق مما يستطيعه غيرنا ممن لم يحب.
وكذلك نحن نجد العبقرية عندما نقعد إلى الطبيعة في حقل أو على شاطئ، أو عندما يمتد بنا البصر عبر فضاء أو صحراء أو سماء، حين يصمت الكون كأنه يفكر ويتأمل؛ فإننا عندئذ نتأمل ونفكر ونكاد ننسى الزمان والمكان، ونوسع في قلوبنا وعقولنا لشتى الإحساسات والأفكار التي تدخل في كياننا النفسي والذهني فتغيرنا وتحملنا على أن نفلسف في الحياة.
ونحس العبقرية حين نذكر الأم التي ماتت قبل عشرين سنة، ونحس العبقرية حين نذكر أصدقاءنا الذين فقدناهم، ونحس العبقرية حين نذكر كتابا لأديب مخلص أعطانا حياة أو حيوات واعترف وأخلص في الاعتراف.
لقد عشت أياما مع الكاتب الأمريكي ثورو، وعينت معالم قراءتي لكتابه «والدن» في بعض الصفحات، واليك منها شيئا عن اختباراته في الغابة التي أقام فيها سنتين بعيدا عن المدن والتمدن:
كان كل صباح يطلع بمثابة دعوة بهيجة لي تشرح صدري وتهيب بي أن أجعل حياتي في بساطة الطبيعة ذاتها، بل وفي طهارتها أيضا، فلقد كنت مخلصا في عبادة ربه الفجر كما كان يفعل الإغريق القدامى، فكنت أستيقظ من نومي مبكرا ثم أستحم في الغدير، وجعلت من ذلك إحدى شعائري الدينية.
وأيضا:
يجب أن نتدرب على أن نوقظ أنفسنا من جديد، وأن نستبقيها نشيطة لا بوسائل آلية ولكن بأن ننتظر على الدوام الفجر الذي لا يفارقنا أبدا.
وأيضا:
অজানা পৃষ্ঠা