والرفق بالحيوان هو إخاء في معنى ما، هو إحساس إنساني ننقله إلى الحيوان، هو عاطفة نبيلة ننقلها عفوا ولا ننتظر منها أية منفعة لنا، هو رقة وحنان واحترام.
هذه الإحساسات - الرقة والحنان والاحترام - هي التي تفصل بين الرجل الرخيص والرجل الشهم، وهي التي تحملنا على أن نحترم الشيخ الهرم، ونعين الرجل الأعمى، وننظر بروح التوقير للمرأة العجوز، ونحجم عن إيذاء طفل أو إغراء فتاة.
وإذا شئت أن تقدر قيم الرجال وأن تتعمق قلوبهم كي تصل إلى الأسس التي تبنى عليها أخلاقهم، فليس عليك إلا أن تسألهم وتمتحن عندهم هذه العواطف التي لا يطالبهم قانون بأن يمارسوها، ولا يعاقبهم إذا خالفوها، هذه العواطف التي تنطلق منهم عفوا للرحمة والرفق والحنان والاحترام.
وتجمع هذه الصفات جميعها كلمة الشهامة، وهي أجمل كلمة في اللغة العربية، وهي تعني ذكاء القلب وحدة الإحساس.
الفصل الثاني والثلاثون
القلب المهذب
قرأت كلمات للكاتب الأمريكي «جيليت برجيس» يدعونا فيها إلى أن نعنى بتهذيب قلوبنا كما نعنى بتهذيب عقولنا.
والقلب المهذب يعني في النهاية ذكاء الإحساس، بحيث لا يجبه أحدا بالكلمة الجافية ولا يؤلم أخر بالتعبير، لعيب لا يسأل عنه أو لا يستطيع التخلص منه.
وذكاء الإحساس لا تنقص قيمة عن ذكاء العقل في علاقتنا الاجتماعية، بل لعلها تزيد، وكثير من النجاح يعزى إلى ذكاء الإحساس؛ فإننا جميعا نذكر ذلك الشخص الذي يسأل عنا في الأزمة والملمة، أو يرسل إلينا أو إلى أحد أطفالنا هدية في العيد، أو يسارع إلى الوقوف في الترام كي تقعد مكانه السيدة الحامل أو التي تحمل على صدرها رضيعا.
ذلك أن هذه المجاملات الصغيرة تصل بين قلبنا وقلبه، وتنقل مكانة الصداقة التي بيننا وبينه إلى مكانة الأخوة الحميمة التي نرتاح إلى ذكرها ونطمئن إليها، وفي حياتنا المدنية من الهرولة والمزاحمة والمتاعب ما يجعلنا في حاجة إلى شيء من هذه المجاملات الصغيرة التي تعيد إلينا الإحساس بأننا لسنا نقاتل في معركة وإنما نتعاون على العيش بأساليب الرقة والوداعة والعطف.
অজানা পৃষ্ঠা