والذي يخدعنا في هؤلاء الناس أننا نعتقد أنهم سعداء قد حلوا مشكلة الوجود واستقروا على أن الأسلوب الأمثل للحياة هو أن نحيا في مسرات متوالية نأكل ونشرب، وغدا نموت.
ولكننا عندما نتأمل حالهم ونتحدث إليهم نجد أنهم في غمرة من التشاؤم والحزن، قد سئموا الحياة وضاقوا بها إذ لا يجدون أية دلالة لها، وهم كلما شملهم السأم والحزن عمدوا إلى المسرات الرخيصة التي تسري عنهم تفاهة هذه الحياة التي يحيونها، واستهتارهم في الأخلاق وإقبالهم على الشراب أو الطعام إنما يعود كل ذلك إلى عجزهم عن أن يرفعوا أنفسهم إلى المقام الذي يشعرهم بالكرامة والسمو، وإلى عجزهم عن أن يؤدوا عملا أو يقوموا بنشاط يجعل لحياتهم دلالة.
إن خلو الحياة من الدلالة هو الذي يجعل الشاب يتساءل: لماذا أعيش؟ ومتى سأل هذا السؤال ولم يجد الجواب الشافي فإنه عندئذ يستهتر، بل هو قد يرتكب الجرائم الأخلاقية البشعة لأنه لم يعد يجد الدلالة في الاستقامة والشرف، ولا نقول العظمة والمجد.
كيف إذن نوجد الدلالة لحياتنا؟ نوجدها بأن ننشئ، نبني، نشيد. نؤدي من العمل ما نرى نتائجه تنمو أمام أعيننا فنفرح ونحس أن المستقبل جزء من الحاضر؛ لأن هذا العمل سيطرد في نموه في السنين القادمة، أي في هذا المستقبل.
نبني أنفسنا، نبني شخصيتنا، أو نبني غيرنا بالتربية والتثقيف.
وتجري عملية البناء يوما بعد يوم فتشعرنا بتطورنا وارتقائنا وعندئذ نجد الدلالة وهي:
أنا أحيا لأني أرتقي، ولأن لنفسي امتدادا في المستقبل يجعلني أتفاءل وأفرح، فلا أحتاج إلى أن أقول: لنأكل ونشرب وغدا نموت.
إن هذه الكلمات التي تحمل معنى التشاؤم بالمستقبل، ومعنى التفاهة في حياتنا الحاضرة، ومعنى الركود والانحلال، هذه الكلمات لا يمكن أن تخطر بعقل الشاب الذي يجد الدلالة لحياته لأنه يتطور ويرتقي، ولأنه يبني شخصيته.
ومن الأخطاء الفاضحة ظن الكثير من الناس أن الشبان المستهترين أكثر استمتاعا بحياتهم، وان كانوا أقل انتفاعا من الشبان الجادين.
ومنشأ هذا الخداع أننا نرى الشاب المستهتر يعيش في اللهو، يسهر ويتبع شهواته الدنيا، وينغمس في التدخين أو السكر، ولا يتعب في كسب ولا يؤدي خدمة تحتاج إلى الدرس والجهاد، وهو ضاحك من هموم الدنيا هازئ بالمستقبل لا يبالي بالواجبات الاجتماعية أو الرقي الشخصي.
অজানা পৃষ্ঠা