ومن حقنا أن نختبر فنعرف طرب الحب في شبابنا بل طيلة حياتنا، وأن نجد الأشعار في الأشجار، وأن نعرف الأحياء الأولى في البحار، وأن نقف تحت هيكل الدينصور في متحف باريس ونحيي هذا الأخ القديم الذي انقرض قبل مئة مليون سنة، وترك لنا هيكله الذي يزيد مئة ضعف من هيكلنا كاملا، حتى نتأمل ونفكر ونفلسف.
ومن حقنا أن نقرأ الفلاسفة الذين انحنوا وخضعوا، والذين ثاروا ونهضوا، وأن نفكر أحسن مما فكروا ونجرؤ أكثر مما جرءوا.
ويجب ألا تخدعنا حرفة العيش، حرفة الكسب الجزئية، عن احتراف الحياة الكلية وممارستها، والحياة هي في النهاية حب وجهد، وتطور وارتقاء، وهي اختبار مباشر بلقاء الناس والأرض والمدينة والريف، وهي أيضا اختبار غير مباشر بالكتب نقرأ فيها الفلسفة والعلم والأدب والفن.
ثم يجب ألا نؤجل الحياة، إذ علينا أن نستمتع بكل هذه الأشياء ونحن بعد قادرون على الاستمتاع، أما إذا أجلنا حتى نمتلئ بالشيخوخة فالدنيا علينا حرام والشيخوخة والموت سواء.
وهذه النظرة للحياة ليست لها قيمة فردية فقط؛ إذ إن لها قيمة أخرى للمجتمعات البشرية، إذ لو كانت الحياة رسالتنا الأولى لكان تفكيرنا الأول يتجه إلى عواملها وليس إلى عوامل الحرب والموت والدمار التي تفكر فيها المجتمعات المتمدينة الآن.
الفصل الثاني
الإنسانية أسمى أنواع الذكاء
تبدو صفات الذكاء في الناس متنوعة متفاوتة، فهناك الذكاء التجاري الذي يلمع فيه صاحبه الثقوب التي ينظر منها إلى الجنيه والقرش، وهناك الذكاء العلمي الذي يخترع ويكتشف، وهناك ذكاء الأديب الذي يجمع إلى طرب الأسلوب جمال الفكرة، ولكن أعظم أنواع الذكاء وأسماها هو الإنسانية.
ذلك أن الإنسانية هي إحساس وعقل كما هي وجدان وطرب، وحين نكون إنسانين يزداد وجداننا حتى ليحتوي الحيوان إلى جنب الإنسان، بحيث نأنف من إيذاء نملة بلا سبب، وبحيث نكره القسوة في معاملة الدواب قبل الأطفال.
والرجل الإنساني يحيا في هذه الدنيا كما لو كان أما ينظر إلى الناس بقلبه وعقله وليس بعقله فقط، وهو هنا ذكي بل هو يغزو ذكاءه بإنسانيته.
অজানা পৃষ্ঠা