وجد الجزل في أثرهم، وكان - كما يقولون - يتبعهم فلا يسير إلا على تعبئة ولا ينزل إلا على خندق، وكان شبيب يدعه ويضرب فيما يليه من الأراضي يكسر الخراج، وطال ذلك على الحجاج، فكتب إلى الجزل:
أما بعد، فقد بعثتك في فرسان أهل المصر ووجوه الناس وأمرتك باتباع هذه المارقة الضالة المضلة حتى تلقاها فلا تقلع عنها حتى تقتلها وتفنيها، فوجدت التعريس في القرى والتخييم في الخنادق أهون عليك من المضي لما أمرتك به من مناهضتهم ومناجزتهم والسلام.
قال أحد جنود ذلك الجيش: «فقرئ الكتاب علينا، فشق ذلك على الجزل، وأمر الناس بالسير، فخرجوا في طلب الخوارج جادين، وأرجفنا بأميرنا وقلنا: يعزل.» •••
وبعث الحجاج «سعيد بن المجالد» على ذلك الجيش وعهد إليه: «إن لقيت المارقة فازحف إليهم ولا تناظرهم ولا تطاولهم، واستعن بالله عليهم، ولا تصنع صنيع الجزل، واطلبهم طلب السبع، وحد عنهم حيدان الضبع.»
حماسة سعيد بن المجالد
وسار سعيد حتى وصل عسكر أهل الكوفة، وكان الجزل قد أدرك شبيبا في النهروان، ولزم عسكره وخندق عليه، فقام سعيد فيهم خطيبا متحمسا، فقال: «يا أهل الكوفة، إنكم قد عجزتم ووهنتم وأغضبتم عليكم أميركم وأنتم في طلب هذه الأعاريب العجف منذ شهرين، وقد خربوا بلادكم وكسروا خراجكم، وأنتم حاذرون في جوف هذه الخنادق لا تزايلونها إلى أن يبلغكم أنهم قد ارتحلوا عنكم ونزلوا بلدا سوى بلدكم! اخرجوا على اسم الله إليهم.»
قالوا: فخرج وأخرج الناس معه وجمع إليه خيول أهل العسكر، فقال له الجزل: «ما تريد أن تصنع؟»
قال: «أريد أن أقدم على شبيب في هذه الخيل.»
فقال له الجزل: «أقم أنت في جماعة الجيش - فارسهم وراجلهم - وأصحر له، فوالله ليقدمن عليك، فلا تفرق أصحابك فإن ذلك شر لهم وخير لك.»
ولكن سعيدا المتحمس أبى أن يصيخ إلى هذه النصيحة القيمة المؤسسة على الروية والتجربة وأصالة الرأي، فقال للجزل: «قف أنت في الصف.»
অজানা পৃষ্ঠা