لقد صرع عمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - فكان لمصرع كل منهم أثر في النفس لا ينسى وجزع متجدد كلما استعدنا مصارعهم.
على أن مصرع الحسين كان وحده سلسلة من الفجائع المروعة والنكبات الأليمة أربت على مصارع كل هؤلاء مجتمعة، وتضاءل أمامها كل مصاب مهما جل وعظم. وأي هول نراه في مصرع عثمان مثلا ثم لم نر من أشباهه في مصرع الحسين أهوالا؟ إن أقسى الناس قلبا - مهما اختلفت ملته ونحلته - ليذوب قلبه أسى لهذا الشهيد الذي راح وأسرته شهداء أطهارا يشكون إلى الله ظلم الإنسان أخاه الإنسان من أجل المطامع الدنيوية الفانية. وإني لأذكر مؤرخا عصريا - هو مثال المؤرخ المنصف الذي لا يستسلم للأهواء ومثال الرجل الجلد الذي لا يجزع لمصاب مهما جل وعظم - قد فقد ولده بعد أن عاد ولده من إنجلترا وأحرز أعلى الشهادات، فلم يغلبه المصاب، وتلقاه متجملا متأسيا دون أن تقطر من عينه دمعة واحدة.
قال لي ذلك المؤرخ الرزين: «ولكنني لا أستطيع قراءة مصرع الحسين دون أن أسح الدمع مدرارا.»
ونحن حين نقول ذلك لا نقوله مستسلمين إلى العاطفة، بل واصفين الحقيقة مجردة عن التزويق والبلاغة اللفظية؛ فقد ارتكب أعداء الحسين من ضروب الشنع والنذالة ما أربى على كل حد، واقترفوا في سبيل المال والمنصب والجاه ما لم يجرؤ عليه أحد قبلهم، ثم كانوا أسوأ قدوة عرفها التاريخ.
لقد كانت الدلائل كلها متضافرة تؤيد الوصول إلى هذه النتيجة المحزنة وإن كانت لا تحتم وقوعها. ولقد كان الحسين نفسه يتوقع في كل مرحلة من مراحل سفره هذه العقبى المحزنة ولكنه - مع توقعه حدوثها - أو على الأصح مع استيقانه من ذلك، يشك في إقدام الناس على قتله، ويحسب أن مكانه الرفيع سيستثير - في أقسى القلوب وأصلبها - عاطفة نبيلة، وأن منزلته من الرسول لا بد مستثيرة النخوة في كل قلب مهما بلغ من الصلابة والتحجر.
وأعجب مني كيف أخطئ دائما
على أنني من أعرف الناس بالناس
لقد حذره الفرزدق، وقال له قولته المشهورة التي ذكرناها حين سأله رأيه فأجابه: «إن قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية.»
وحذره كثيرون غير الفرزدق فلم يستمع إلى نصحهم. وأبى سوء الحظ ونكد الطالع إلا أن يستصحب معه أسرته فيتضاعف المصاب.
ولقد كان الناس كلما أحجموا عن قتله تقدم شرير منهم خطوة فدب الطمع في نفوس أصحابه وخشوا أن يسبقهم إلى الاستئثار بذلك فينال بذلك السبق مالا أو جاها يحرصون على أن لا يحرموه.
অজানা পৃষ্ঠা