كان صغيرا جدا وأن أباه كان رؤوفا به، متفرسا فيه الخير والنجابة، وانه لم يضربه قط بل أوصى معلمة في الصغر أن لا يضربه وانه كان لا يشتغل باللعب وما يلتهي به الأطفال من أقرانه. وقد ختم القرآن وعمره لم يتجاوز التاسعة وقرأ على أبيه العلامة، الفنون العربية وبعض الكتب الفقهية الى أن توفي والده وعمره حينئذ أربعة عشر سنة، ثم ارتحل في طلب العلم الى «ميس» و«كرك نوح» و«دمشق» ولم يكتف بما تعلم من الثقافة الشيعية في هذه البلدان وما يسمعه من مشايخه ويقرأه في الكتب من فقه العامة وأحاديثهم، بل بلغت به همته العالية أن تكبد مشاق السفر والهجرة إلى مصر وهي آنذاك مركز من مراكز الثقافة الإسلامية، فحضر مجالس علمائها وقرأ عليهم كتب الفقه والحديث وسمع منهم آراء العامة مباشرة وناظر بعضهم في بعض المسائل- كما يتحدث عنه ابن العودي في رسالته- واستفاد منهم ما كان مفيدا ومؤثرا في توسيع الثقافة العلمية في حوزات الشيعة، ولذلك قام بتأليف أول كتاب في دراية الحديث على مذهب الإمامية، وعلى أثر ذلك أيضا صنف كتاب «تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع الأحكام الشرعية» جاري به ما ألفه «الأسنوي الشافعي». وبتأثير تلك الثقافة أيضا صنف أول شرح مزجي في تصانيف الشيعة. ونجد أيضا في كتبه الفقهية، في بعض المسائل، مقارنة بديعة بين فقه الشيعة وفقه العامة في المسائل الخلافية المهمة.
والحاصل أن غرضه- (قدس الله نفسه)- من حضور مجامع العلم في مصر لم يكن إلا توسعة الثقافة والاطلاع عن قريب على ما لدى علمائها من علم وإبداع وقد بلغ هدفه في ذلك واستفاد وأفاد ولم يكن في ذلك أي حزازة ومكروه كما ظنه بعض من ترجم له.
واما ما ذكره ولده المحقق الشيخ حسن (رحمه الله) من عدم الرضا بفعل والده وجماعة أخرى من العلماء وأنه قد ترتب عليه ما ترتب، فلا يقصد به الا أنه قد ترتب عليه قتل الشهيد كما صرح به في موضع آخر على ما حكي عنه.
পৃষ্ঠা ২৮