وكان وصولنا إلى مدينة قسطنطنية يوم الاثنين، سابع عشر من شهر ربيع الأول من السنة السابعة وهي سنة (952)، ووفق الله تعالى لنا منزلا حسنا وقفا من أحسن مساكن البلد قريبا إلى جميع أغراضنا، وبقيت بعد وصولي ثمانية عشر يوما لا اجتماع بأحد من الأعيان، ثم اقتضى الحال ان كتبت في هذه الأيام رسالة جيدة تشتمل على عشرة مباحث جليلة، كل بحيث في فن من الفنون العقلية والفقهية والتفسير وغيرها، وأوصلتها إلى قاضي العسكر وهو محمد بن قطب الدين بن محمد بن محمد بن قاضي زاده الرومي، وهو رجل فاضل أديب عاقل لبيب، من أحسن الناس خلقا وتهذيبا وأدبا، فوقعت منه موقعا حسنا وحصل لي بسبب ذلك منه حظ عظيم، وأكثر من تعريفي والثناء علي، واتفق في خلال المدة بيني وبينه مباحثة في مسائل كثيرة من الحقائق.
ففي اليوم الثاني عشر من اجتماعي به، أرسل الي الدفتر المشتمل على الوظائف والمدارس وبذل لي ما أختاره، وأكد في كون ذلك في الشام أو في حلب، فاقتضى الحال أن اخترت منه المدرسة النورية ببعلبك لمصالح وجدتها ولظهور أمر الله تعالى بها على الخصوص، فأعرض لي بها إلى السلطان سليمان وكتب لي بها براءة وجعل لي لكل شهر ما شرطه واقفها السلطان نور الدين الشهيد، واتفق من فضل الله وسبحانه ومنه لي في مدة إقامتي بالبلدة المذكورة من الألطاف الإلهية والأسرار الربانية والحكم الخفية، ما يقصر عنه البيان، ويعجز عن تحريره البنان، ويكل عن تقريره اللسان فلله الحمد والمنة والفضل والنعمة على هذا الشأن ونسأله أن يتم علينا منه الإحسان إنه الكريم الوهاب المنان.
ومن غريب ما اتفق لي من نعم الله تعالى وفضله وكرمه وجوده زمان إقامتي بمدينة قسطنطنية، أن خرجت يوما مع الأصحاب وكان ذلك اليوم في شهر جمادي الأولى، لزيارة مشهد شريف هناك يسمونه «أبا أيوب الأنصاري الصحابي» وكان قد بنى عليه السلطان محمد مشهدا خارج البلد. فلما كنت في
পৃষ্ঠা ১৯