فضل الله العمري القاضي
فضل الله العمري القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن المجلي دعجان بن خلف، يتصل نسبه بعمر بن الخطاب.
ولد بمدينة دمشق في شوال سنة سبع مائة، وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة، وتخرج في الأدب بوالده، وبالشهاب محمود، قرأ العربية أولًا على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم على قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، والفقه على قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد عبد الله، وعلى الشيخ برهان الدين، وقرأ الأحكام الصغرى على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، والعروض والأدب على الشيخ شمس الدين الصايغ، وعلاء الدين الوداعي، وقرأ جملة من المعاني والبيان على العلامة شهاب الدين محمود، وقرأ عليه جملة من الدواوين وكتب الأدب، وقرأ بعض شيء من العروض على الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني، والأصول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني، وأخذ اللغة عن الشيخ أثير الدين ابن حنان، ورحل إلى بلاد كثيرة طلبًا للعلم، فسمع في الحجاز ومصر والإسكندرية وبلاد الشام.
شغل أعمالًا كثيرة وتقلب في وظائف الدولة، فباشر كتابة السير للسلطان الناصر محمد بن قلاوون بالقاهرة، نيابة عن والده محيي الدين الذي ولي كتابة سر دمشق، ثم لما ولي والده كتابة السر بمصر أيضًا، صار هو يقرأ البريد على الملك الناصر محمد بن قلاوون، وينفذ المهمات، واستمر كذلك في ولاية والده الأولى والثانية، ثم إنه فاجأ السلطان بكلام غليظ، فقد كان قوي النفس، وأخلاقه شرسة، فتغير عليه السلطان فأبعده، وصادره وسجنه بالقلعة سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة، ثم ولي كتابة السر بدمشق، وعزل ورسم عليه أربعة أشهر، وطلب إلى مصر، فشفع فيه أخوه علاء الدين، فعاد إلى دمشق، واستمر بعيدًا عن أعمال الدولة، ولكنه انصرف إلى التأليف والتصنيف حتى توفي يوم عرفة سنة ٧٤٩ هـ أي التاسع مع ذي الحجة.
آثاره
ترك ابن فضل الله العمري آثارًا متعددة في فنون مختلفة في الفقه والحديث والأدب والتاريخ والحضارة، ومنها: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، دمعة الباكي، الشتويات، مختصر قلائد العقيان، النبذة الكافية في معرفة الكتابة والقافية وغيرها.
অজানা পৃষ্ঠা
[الجزء الثالث]
مقدمة المحقق
- ١-
أ- المؤلف:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين المبعوث رحمة للعالمين، أنطق العرب لسانا، وأفصحهم بيانا.
مؤلف كتاب «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» هو أحمد بن يحيى بن فضل الله بن يحيى بن دعجان بن خلف بن نصر بن منصور بن عبد الله بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر العدوي العمري.
وقد ذكره ابن حجر العسقلاني في درره، وابن تغرى بردى في نجومه وابن العماد في شذراته والسيوطي في المحاضرة وحاجي خليفة في كشف الظنون وابن الوردي في تاريخه، ولم يختلفوا حول اسمه ولقبه فهو شهاب الدين أبو العباس وهو القاضي الشافعي والمؤرخ الدمشقي.
- ٢- ولد ابن فضل الله العمري في ثالث شوال سنة سبعمائة على حد قول جل المؤرخين باستثناء ابن ناصر الدين في الدّر الوافر والذهبي في تاريخ الإسلام والصافي في المنهل إذ ذكروا مولده في سنة ٦٩٧ هـ، وكان مولده بدمشق ويوافق ١٣٠١ م.
- ٣- قرأ ابن فضل الله العمري العربية على يد كمال الدين ابن قاضي شهبة، والفقه على يد ابن الفركاح وابنه برهان الدين وشهاب الدين ابن المجد، وقرأ الأحكام
3 / 5
الصغرى على ابن تيمية والأدب على جماعة منهم ابن الصائغ الكبير وابن الزملكاني وأبي حبان وسمع الحديث على جماعة، وأخذ الأصول عن الأصفهاني.
- ٤- كان أديبا، وناظما وناثرا ومؤرخا وفقيها، وكان يتوقد ذكاء مع حافظة قوية، وصورة جميلة واقتدار على النظم والنثر، مع سعة الصدر، وحسن الخلق وبشر المحيا.
كان حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الأخلاق، يحب العلماء والفقراء.
- ٥- عمل مع أبيه في كتابة السر، وكان يقرأ كتب البريد على السلطان ناصر الدين محمد بن قلاوون، وعمل كاتبا للسر في مصر ودمشق حتى تغير عليه السلطان سنة ٧٣٨ هـ وسجنه بالقلعة لأنه فاجأ السلطان بكلام غليظ لقوة نفسه، ثم أطلق سراحه وولاه كتابة السر في دمشق حتى عزله، وظل بعدها حتى مات بالطاعون.
- ٦- مات ابن فضل الله العمري يوم عرفة سنة ٧٤٩ هـ أي التاسع مع ذي الحجة، وذكر ابن العماد الحنبلي أنه مات بالطاعون، وقال ابن حجر العسقلاني أنه مات بحمى أصابته.
- ٧- ترك ابن فضل الله العمري آثارا طيبة في فنون مختلفة في الفقه والحديث والأدب والتاريخ والحضارة، ومنها: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار والمؤلف سنة
3 / 6
٧٣٨ هـ، فواضل السمر (فواصل السمر) في فضائل آل عمر في أربعة مجلدات، والدعوة المستجابة، وصبابة المشتاق، ودمعة الباكي، ويقظة الساهي، ونفحة الروض، والتعريف بالمصطلح الشريف، وله ديوان في المدائح النبوية وأظنه صبابة المشتاق.
وله قصائد وأراجيز ومقطعات ودو بيت، وأنشأ كثيرا من التقاليد والمناشير والتواقيع.
وورد أيضا أن له كتابا بعنوان ممالك عبّاد الصليب وهو من الكتب النادرة التي تهتم بغير بلاد المسلمين كما أن له الدرر الفرائد وهو مختصر لقلائد العقبان لابن خاقان.
ب- المخطوط:
- ١- أهم مؤلفات ابن فضل الله العمري مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (أخبار الملوك)، وقد ذكره ابن حجر العسقلاني وابن تغرى بردى إنه في أزيد من عشرين مجلدا، وذكره ابن العماد الحنبلي أنه في سبعة وعشرين مجلدا، وورد بموسوعة العلوم الإسلامية إنه ٣٢ جزءا.
وقسم فؤاد سزكين المخطوط إلى سبعة وعشرين سفرا.
- ٢- وضع المؤلف هذا الكتاب سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وقد ذكر ابن فضل الله هذا صراحة في ص ٢٨٨ من السفر الثالث من المخطوط فقال: «وفي سنة تأليفي فيها هذا الكتاب وهي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة»، وهذا يعني أن المؤلف وضع هذا الكتاب خلال فترة عزله عن العمل في دمشق، وقبل موته بإحدى عشرة سنة.
3 / 7
ولا يمكن أن نجزم بأن المؤلف قد خط مخطوطه هذا في سنة واحدة فقط، حيث يبلغ المخطوط إلى سبعة وعشرين جزءا- طبقا لتقسيم سزكين- ولعله يخص بهذا القول السفر الثالث فقط. والذي أنا بصدد تحقيقه.
- ٣- السفر الثالث- طبقا لتقسيم سزكين- يتناول الممالك الإسلامية في مملكة الهند وبلاد المغول- مملكة القاآن الكبير، ومملكة إيران، ومملكة الجيل، ومملكة الجبال، ومملكة بلاد الروم، ومملكة مصر والشام والحجاز.
والمخطوط يقع في مائتين وست وثمانين صفحة من القطع المتوسط وعدد أسطر كل صفحة يصل إلى ثلاثة وعشرين سطرا.
- ٤- والسفر الثالث من كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار منه عدة نسخ في طوبقابو سراي باستانبول بتركيا وأخرى بتونس. وثالثة بدار الكتب المصرية بمصر، وقد اعتمدت في هذا التحقيق على نسختي استانبول وتونس- والأولى هي أوالثانية ب وناسخ النسخة التركية التي اعتمدت عليها هو ناسخ تركي ويدعى أبو الفضل محمد، وسبب اعتقادي أنه تركي الأصل تلك الأخطاء التي وردت في نسخه للمخطوط. والتي لا تصدر إلا من أعجمي ومن أمثلة ذلك:
١- إنه كان يكتب الضاد ظاء مثل مضفور كتبها مظفور وكذلك الظاء ضادا مثل حظائر كتبها حضائر وهذا يرجع إلى أن مخارج نطق الضاد والظاء في التركية واحدة.
٢- قلب الهمزة التي على نبرة ياء مثل خزائن وعمائم ونسائم وشمائل ومسائل، فكتبها خزاين وعمايم ونسايم وشمايل ومسائل، وهذا يتوافق مع ما عند
3 / 8
الترك.
٣- إنّ الناسخ يكتب الكلمات المنتهية بالألف المقصورة (ى) إلى ألف مثل:
أعلى وأقصى وأمسى وأفنى فيكتبها أعلا وأقصا وأمسا وأفنى.
٤- استعمال حرف السين مكان الصاد أحيانا مثل: سلقه كتبها صلقه، وهذا لأن السين والصاد في التركية من مخرج واحد.
٥- كتابة الهمزة على الواو أو الألف بشكل يخالف المعروف مثل مآذن والمؤدى كان يكتبها مواذن والمآد.
٦- كتابة حرف الألف بعد الأفعال المنتهية بالواو في الفعل المضارع مع المفرد الغائب مثل يصفو، ينمو- يعلو يسمو، كان يكتبها يصفوا وينموا ويعلوا ويسموا.
٧- كان الناسخ شيعيا حيث إنه كان يضيف «﵇» عقب أي ذكر لأي من أئمة الشيعة، وهذا لا يمكن أن يكون من المؤلف فهو عمري وينتسب إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب.
- ٥- إن التقسيم الذي سلكه فؤاد سزكين في تقسيم الكتاب إلى أسفار، قد جانبه الصواب، حيث أن السفر الثالث- الذي نحن بصدده هو الجزء الثاني من الكتاب، وقد ورد في صفحة ١١٠ من السفر الرابع تبعا لتقسيم سزكين إنه آخر الجزء الثاني من كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، يتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الثالث، الباب الخامس عشر في ذكر العرب الموحدين في زماننا وأماكنهم.
كما جاء في صفحة ١١١ من ترقيم سزكين من السفر الرابع عنوان «الثالث من مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» .
3 / 9
ج- منهج المؤلف في تأليف الكتاب
- ١- لقد سلك المؤلف منهجا فريدا في تأليف هذا السفر من كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» حيث اعتمد على أكثر من منهج في التأليف.
أولها: منهج الرواية بالمشاهدة والرؤية وهذا فيما يتعلق باستعراضه لأحداث ووقائع عصره في ممالك مصر والشام والحجاز.
ثانيها: منهج الرواية بالسماع، وهذا قائم على سماع رواية الذين شاهدوا تلك البلاد وأطلعوا على أخبارها من التجار والزوار، وقد ذكر ذلك في أحداث ووقائع ممالك الهند وممالك قانات المغول وممالك بلاد الجيل والجبل وممالك الروم.
ثالثها: منهج النقل عن المتون السابقة، وهذا قليل للغاية، حيث يلجأ أحيانا إلى ذكر أحداث تاريخية قديمة وسابقة لعصره، فيلجأ إلى المؤلفات السابقة مثل تاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر وجها نگشاي لعلاء الدين عطا ملك جويني وجامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله.
- ٢- وفي منهجه القائم على المشاهدة والرؤية يتحدث حديث الخبير المتخصص، ولا يذكر مصدر روايته أو مشاهدته باعتباره الشاهد عليها، ولا تفوته شاردة ولا واردة إلا وذكرها مما قد يجهله كثيرون غير مقربين من الحضرة السلطانية، ولذلك وجدناه يطنب في الحديث عن مصر وأحوالها وأحوال سلاطينها إطنابا، ويرسل الحديث إرسالا في كل الجوانب التاريخية والحضارية.
- ٣- وفي منهجه القائم على الرواية بالسماع، فقد تحدث عن ممالك الهند قائلا:
3 / 10
«كنت أسمع الأخبار الطائحة والكتب المصنفة، ما يملأ العين والسمع، وكنت لا أقف على حقيقة أخبارها، لبعدها منا، وتنائى ديارها عنا، فلما شرعت في تأليفي هذا الكتاب، تتبعت ثقاة الرواة، ووجدت أكثر مما كنت أسمع وأجل مما كنت أظن» .
ويشرح هذا المنهج قائلا: كنت أسأل الرجل عن بلاده، ثم أسأل الآخر والآخر لأقف على الحق، فما اتفقت عليه أقوالهم، وتقاربت فيه أثبته، وما اختلفت فيه أقوالهم أو اضطربت تركته، ثم أنزل الرجل المسؤول مدة أناسيه فيها عما قال، ثم أعيد عليه السؤال عن بعض ما كنت سألت، فإن ثبت على قوله الأول، أثبت مقاله، وإن تزلزل أذهبت في الريح أقواله، كل هذا لأتروى في الرواية، وأتوثق في التصحيح.
وهذا المنهج العلمي الصحيح الذي سلكه ابن فضل الله العمري مع رواته ومصادر أخباره، تؤكد مدى أهمية ما أورده وما أثبته، ولعل وظيفته في البلاط السلطاني قد أتاحت له فرصة مقابلة العديد من الواردين إلى البلاط، ويقول في ذلك: أسأل كل وارد على باب سلطاننا- أعزه الله بنصره- من جميع الآفاق، ووافد استكن تحت جناح لوائه الخفاق، وما أحدث مع رسول يصل من ملوك الأرض في مطارحة حديث ومرواحة قديم وحديث إلا وجريت بذلا ذل السؤال عن بلادهم وأوضاع ملوكها، ووظائف الرعايا في سلوكها وما للجنود بها، وطبقات أرباب الرتب العالية من الأرزاق، ومقدار تفرقة خزانة الإخلاق، وكيف زي كل إناس، وما يمتاز به كل طائفة من اللباس.
- ٤- وفي منهجه القائم على النقل من المتون السابقة والمؤلفات والكتب القديمة، فإنه يذكر عادة اسم المؤلف أو اسم الكتاب الذي أخذ عنه، ومن العجب أنه كان
3 / 11
يثبت أسماء كتب مكتوبة باللغة الفارسية، ويتحدث عن مؤلفين ألفوا كتبا بالفارسية مثل علاء الدين عطا ملك جويني ورشيد الدين فضل الله، كما اعتمد على مؤرخين عرب كالطبري وابن عساكر والمسعودي.
- ٥- والمؤلف في حديثه عن الممالك الإسلامية لا يستعرض أحداثا تاريخية بقدر ما يقدم لنا استعراضا حضاريا وإني لاعد كتابه هذا ضمن المؤلفات التي تؤرخ للحضارة فهو كتاب حضاري، يستعرض الجوانب الحضارية عند الشعوب في الهند والصين وبلاد ما وراء النهر وإيران وتركيا والشام ومصر والحجاز وبلاد أخرى، فهو يؤرخ للحضارة الإسلامية، وهذا النوع من المؤلفات قليل، ورجاله قلائل.
ونطالع في حديثه عن الممالك الإسلامية استعراضه لأوضاع الملوك والوظائف وأرباب الرتب العالية وما لهم من أرزاق، وزي الناس ولباسهم، وطعام الناس ومأكلهم، والميزان والمكيال والعملة ومقدار كل منها، ومقارنتها بالمصري والشامي، واستعراض الجيوش وتكوينها وتسليحها، وعددها وعددها ومخصصات أهلها، وما تنتجه أراضي الممالك من بقلها وفومها وأشجارها، وأنواع المعادن وقيمتها واستعمالها.
ولا يهمل الحديث عن كيفية جلوس السلاطين وأرباب الوظائف وتلقيهم القصص والشكاوى، وكيفية عرضها ووصولها إلى السلطان، وإصدار الفرمانات واليراليغ والأوامر، وختمها بالخاتم السلطاني.
ويتحدث عن القصور والبيوت والخركاوات وما تحتويه من وسائل معيشية، ويستعرض نظام الإدارة وتولية المناصب والوظائف في الممالك الإسلامية المختلفة.
نخلص من هذا أن المؤلف كان يسعى لتأريخ الحضارة الإسلامية في عصره، في الهند وإيران وبلاد الترك والصين والروم ومصر والشام والحجاز، مع عدم إهمال
3 / 12
للجانب التاريخي.
د- التأريخ والمؤرخون في عصر المؤلف:
- ١- شهد أواخر القرن السابع الهجري والقرن الثامن الهجري مولد عدد من المؤرخين المعروفين من الفرس والعرب واشتهرت مؤلفاتهم في الأفاق، ومن ثم فإن ظهور ابن فضل الله العمري هو امتداد طبيعي لهذا الفيض من المؤرخين، ولما كان العالم الإسلامي متصلا ومتواصلا، ورحلات الرحالة وزيارات التجار والسفراء، وتنقلات العلماء والأدباء من وطن إلى آخر لا تنقطع، وكان سلاطين هذه العصور يهتمون بطرق التجارة والقوافل والبريد لذا أقاموا عليها العمارات وأنشأوا الرباطات، وأمنوا السالكين في الآفاق، ولذلك كانت أخبار الممالك الإسلامية معروفة ومتداولة، لا تخفى خافية عن جوابي البلاد من الرحالة والمؤرخين.
- ٢- ظهر في أواخر القرن السابع الهجري المؤرخ الكبير علاء الدين عطا ملك جويني المتوفى ٦٨١ هـ. وكان مقربا من خانات المغول في عهد هولاكو وخلفه، وتولى حكم بغداد، وقد ألف كتابا من أفضل كتب التاريخ في العصر المغولي وهي جهانگشاي «فاتح العالم» وهو في ثلاثة مجلدات ضخمة تناول فيها عادات وتقاليد المغول والقواعد التي سنها جنگيز خان وفتوحات جنكيز وسلطنة اوگتاى وگيوك وچغتاي، كما تناول تاريخ الخوارزمشاهية وأحوال ملوك القراختاي والگورخانية، وتحدث عن منگوقاآن وهولاكو، وتوجه الأخير إلى بغداد للقضاء على الإسماعيلية.
وقد ترجم الجزء الأول منه على يد الاستاذ الدكتور السباعي محمد السباعي،
3 / 13
وترجم الكتاب أيضا تحت عنوان تاريخ فاتح العالم جهانگشاي الدكتور محمد التونجي.
- ٣- وكتاب نظام التواريخ للقاضي ناصر الدين البيضاوي والذي ألفه سنة ٦٧٤ هـ من الكتب التاريخية التي تتناول التاريخ العام من عهد آدم إلى أواخر القرن السابع الهجري، ويتناول تاريخ الإسلام والملوك القدامى لإيران وأنبياء بني إسرائيل، وهو كتاب باللغة الفارسية.
- ٤- وكتاب جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله الوزير والمؤرخ الكبير في بلاط المغول الإيلخانيين، ألفه بأمر غازان خان وابنه اولجايتو خدابنده سنة ٧١٠ هـ، وهو كتاب كبير في ثلاثة مجلدات، الأول عن تاريخ المغول في فصلين والثاني في التاريخ العام في فصلين والثالث في الأقاليم والأمصار.
والكتاب يتضمن وثائق ومستندات وشهادات حقيقية نظرا لأن مؤلفه شاهد على عصره، وهو قريب في منهجه من مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.
وهذا الكتاب مؤلف بالفارسية وقد نقله إلى العربية محمد صادق نشأت ومحمد موسى هنداوي وفؤاد عبد المعطي الصياد.
- ٥- وكتاب تاريخ بناكتي أو روضة أولى الألباب في تواريخ الأكابر والأنساب تأليف أبي سليمان داوود البناكتي من مؤرخي وشعراء بلاط غازان خان، وقد ألف الكتاب بالفارسية وقدمه إلى السلطان أبي سعيد بهادر في سنة ٧٠٧ هـ، وقد قسمه المؤلف إلى تسعة أقسام تناول فيها تاريخ الأنبياء والملوك القدامي والرسول
3 / 14
الكريم وخلفاءه وسلاطين إيران في عهد بني العباس واليهود والمسيحيين والفرنجة والهنود والصينيين والمغول.
- ٦- وفي الثلاثينات من القرن الثامن الهجري ظهر كتاب مؤلفنا ابن فضل الله العمري سنة ٧٣٨ هـ وفي نفس العام ظهر كتاب تاريخ وصاف أو تجزية الأمصار وتزجية الأعصار لشهاب الدين عبد الله الشيرازي المعروف بوصاف الحضرة وهو باللغة الفارسية في خمسة مجلدات تناول فيها تاريخ المغول وأمراء النواحي والأطراف في عهد أبي سعيد بهادر ويعد متمما لجهانگشاي جويني.
- ٧- وظهر تاريخ گزيده لحمد الله المستوفى القزويني وهو تقليد وتلخيص لكتاب جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله، وقد قدمه المؤلف لابن رشيد الدين المسمى بغياث الدين وهو أيضا بالفارسية.
- ٨- وكانت رحلة ابن بطوطة المعروفة بتحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لمحمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، من أهم مؤلفات القرن الثامن الهجري وقد كتبت هذه الرحلة سنة ٧٥٧ هـ أي بعد تأليف مسالك الأبصار في ممالك الأمصار بفترة وجيزة، وقد جاب مؤلفها بلاد الهند والصين وإيران والشام ومصر وبلاد الروم وبلاد العرب، وقد قارنت بين أحداثه وأحداث ابن فضل الله العمري نظرا لقرب زمان التأليف.
- ٩- ونشير إلى كتاب مجمع الأنساب لمحمد بن علي بن محمد الشبانكاره الذي
3 / 15
وضعه بالفارسية سنة ٧٤٣ هـ في التاريخ العام باعتباره يدخل ضمن ظاهرة التأليف والتصنيف في التاريخ الإسلامي.
هـ- منهج المحقق في تحقيق المخطوط:
- ١- تحدثت عن منهج المؤلف في التأليف، وكان لا بد لي من ملاحقته فيما ألفه، وأتبعت الخطوات التالية:
١- مراجعة المصادر التي استقى منها المؤلف معلوماته في نقوله عن الآخرين، فقد تحدث عن الطبري وابن عساكر والبلاذري، وذكر رشيد الله بن فضل الله وعطاملك جويني، فعدت إلى هذه المصادر لملاحقة النقول التي نقلها وأثبت ذلك في الحواشي.
٢- مراجعة المصادر المماثلة والمعاصرة، فقد ألف وصنف في القرن الثامن الهجري عدة مؤلفات تاريخية وحضارية مماثلة منها ما هو بالعربية كرحلة ابن بطوطة ومنها ما هو بالفارسية مثل تاريخ جهانگشاي وجامع التواريخ.
٣- تخريج النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، خاصة أن المؤلف كان يذكر أقوالا مشابهة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية دون ذكر كون هذا آية أو حديث نبوي، كما استخرجت النصوص الشعرية التي ذكرها المؤلف والتي نقلها عن الشعراء كالمتنبي وابن عنين وامرئ القيس.
٤- مراجعة الألقاب والرتب والاصطلاحات الفارسية الشائعة في عصره واستخراج مدلولاتها من القواميس الفارسية.
٥- توضيح الأماكن الجغرافية والتاريخية، وقد قمت بإعداد خرائط توضيحية للمدن والأماكن التي ذكرها المؤلف، وأردفتها في آخر التحقيق.
3 / 16
٦- نظرا لكثرة أسماء الحكام والملوك لذا أضفت شجرات للأسر الحاكمة التي ورد ذكرها في ثنايا المخطوط مع تصحيح الأسماء والألقاب وذكر السنوات التي أهملها المؤلف تماما.
٧- وضعت في آخر التحقيق فهرسا بالأعلام والأماكن الجغرافية والآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأبيات الشعر إكمالا للفائدة.
- ٢- إن هذا العمل الحضاري الضخم الذي يتعهده قسم المخطوطات بدار الكتب الوطنية بالمجمع الثقافي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويقوم بتحقيقه وطبعه، أمر يستحق الإشادة، فهذا العمل يخلد اسم دار الكتب الوطنية في أبو ظبي، ويجعلها تقف على قدم واحدة مع المؤسسات العلمية والثقافية في العالم العربي، وتثبت للأجيال القادمة أنها لم تدخر أي جهد في سبيل إظهار حضارتنا العربية والإسلامية الزاهرة.
وأشكر قسم المخطوطات على دوره الفعّال في تنشيط الحركة الثقافية، وبناء الإمارات الحديثة.
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.
أبو ظبي ٣/١٩٩٣
أد. أحمد عبد القادر الشاذلي استاذ ورئيس قسم اللغات الشرقية كلية الآداب- جامعة المنوفية
3 / 17
النّوع الثّاني في ذكر ممالك الإسلام جملة
ممالك الإسلام واقعة بحمد الله في أحسن المعمور شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، لأنها لا تنتهي إلى غاية الحرارة المفرطة ولا إلى غاية البرد المفرط، إلا فيما قل [١]، ولا يخرج عن حد المستطاب، وسيأتي بيان ذلك في تحديد كل مملكة، فغاية معمور الجنوب مساكن السودان من عبّاد النيران والأصنام، بما تغلغل من جزاير الهند وأطرافه «١»، والنصارى بأطراف الحبشة، وعبّاد الحيّات [٢]، والهمج في سودان المغرب جنوب غانه.
وغاية معمور الشمال من النصارى والهمج ببلاد الصقلب [٣]، في شماليها أحد قسمي إيران المسمّاة «٢» ببلاد القبجاق [٤]، وما سامت ذلك الخط من القسطنطينية، وما وراءها إلى جليقية والأرض الكبيرة وجزاير البحر الرومي [٥] .
وغاية معمور الشرق من عباد النيران والأصنام بثالث أقسام توران [٦] من بلاد
_________
[١] وردت بالمخطوط في ما قبل.
[٢] وردت بالمخطوط وعبّاد بالحيّات.
[٣] بلاد الصقلب هي شعوب تسكن بين جبال الآرال والبحر الأدرياتي في أوروبا الشرقية والوسطى، يتكلمون بلغات تنتمي إلى العائلة الهند وأوروبية، ويقسمون عادة إلى ثلاثة أقسام كبرى: صقالبة الغرب وصقالبة الشرق وصقالبة الجنوب وهم السلاف (انظر الموسوعة العربية الميسرة- أشراق محمد شفيق غربال- دار الشعب- وهم جيل حمر الألوان، صهب الشعور يتاخمون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم وقيل بين بلاد البلغار وقسطنطينية (مراصد الاطلاع ٢/٨٤٧) فرانكلين ١٩٥٩ ص ١١٢٦) .
[٤] بلاد القبجاق هي بلاد القبجاق والقبجق الواقعة ما بين البحر الأسود وبحر خوارزم شمال بلاد الروم، قاعدتها السراي وهي تابعة لأبناء جوجي بن جنكيزخان (انظر الخرائط المرفقة) .
[٥] البحر الرومي: يقصد به البحر الأبيض المتوسط.
[٦] توران: هي البلاد الواقعة خلف نهر سيحون، وكانت لتوران بن فريدون- طبقا لشاهنامة الفردوسي والروايات التاريخية القديمة- وينسب الأتراك إلى ثور (انظر فرهنگ أدبيات فارسى- زهرا خانلرى كيا- چاپ سوم تونس ١٣٦٦ ش ص ١٤٧) .
3 / 24
الصين إلى المحيط، وأمّا الغرب فانتهى فيه الإسلام إلى البحر المحيط [١] وكلاطر [٢] في الشرق، والغرب بلاد صالحة وإن لم تكن الغاية، فالغرب إلى منتهى الغاية في ممالك الإسلام، والصين وإن كان خارجا من دعوة الإسلام، فإنه ملك عظيم جليل القدر، ضخم الملك، وهو معظم توران، ولم يزل لملك الترك، وبه تخت [٣] فانهم «١» الآن لقانهم [٤] من أبناء جنكيز خان [٥]، وسيأتي ذكره عند ذكر أبناء جنكيز خان.
فممالك الإسلام واقعة على ما نذكره؛ فأوّلها الهند والسّند، وهو واقع في ممالك الإسلام بشرق محض آخذا في الجنوب على مسامت الصين، يحدها البحر من جنوبها، وبلاد الكفار من شرقيها، والإسلام في أحد قسمي توران «٢» من شمالها، ثم أحد قسمي توران، مما بيد الإسلام، وهي مملكة تركستان [٦] وما وراء النهر، وهي واقعة بشرق محضا آخذا إلى الجنوب، يحدها السّند من جنوبها، والصّين من شرقها، وممالك الإسلام وقسمها الثاني، وإيران (المخطوط ص ٣) من
_________
[١] البحر المحيط: المقصود به هنا المحيط الهادىء، ويقصد به إجمالا البحر المحيط بالكرة الأرضية وقد ذكره أيضا عند ذكره للمحيط الأطلسي يقول: صاحب مراصد الاطلاع إنه بحر محيط بالأرض من كل جوانبها يتصل به البحران الشرقي والغربي (البغدادي بيروت ١٩٥٤ ج ١/١٦٦) .
[٢] كلاطر: هي كانتون، المدينة الواقعة على المحيط الهادي ببلاد الصين وكان العرب قد وصلوا إليها واطلقوا عليها اسمها الحالي.
[٣] تخت: كرسي الحكم، مقر جلوس السلاطين، والكلمة بهلوية Taxt وفي الفارسية تخت- واستعملت في العربية في عصور استعلاء الفرس والترك (فرهنگ عميد، حسن عميد، چاپ سوم، تهران ١٣٦٠ ش جلد اول ٥٤٨) .
[٤] القان: كلمة مغولية وهي في الأصل قاآن وتعني ملك كبير (فرهنگ عميد ٢/١٥٦١) .
[٥] ترد دائما جنكيز خان وصوابها جنكيز خان وسيرد ترجمته فيما بعد.
[٦] تركستان: بلاد الترك- سيرد تفاصيل فيما بعد.
3 / 26
جنوبها.
ثم القسم الثاني مما بيد الإسلام من مملكة توران، وهي خوارزم [١] وبلاد القبجاق، وهي واقعة في الشمال، آخذة إلى المشرق، يحدها أطراف الصين من شرقها، وبلاد الصقلب وما يليها من شمالها، فأما جنوبها فخراسان [٢] وما سامتها «١»، وغربها الخليج القاطع من بحر الروم على القرم [٣]، وراءها [٤] ممالك الإسلام والروم، كلها من ممالك الإسلام، ثم إيران، وهي تلي قسمي توران المذكورين داخله، كالشعبة الفارقة بينهما، وذلك القسمان منشعب «٢» عليهما مثل كمّى السراويل على سرجه، يحدها ممالك الإسلام من كل جهة، وفي بعض جنوبها لينتهي إلى البحر الفارسي [٥] الآخذ على البصرة وما سامتها، وممالك كيلان [٦] واللر [٧] والشول [٨] وشنكاره «٣» [٩] والأكراد [١٠]، وبلاد أتراك الروم كلها في هذا القسم، خلا أن أتراك الروم وحدهم شمال «٤» بلاد القسطنطينية ثم
_________
[١] خوارزم: إقليم في بلاد ما وراء النهر، ومدينة خوارزم، أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها (رحلة ابن بطوطة ٢٣٩) .
[٢] خراسان: إقليم بشرقي إيران قاعدته نيسابور وتابع في ذلك الحين لأولاد هولاكو.
[٣] القرم: شبه جزيرة بجنوب روسيا ٣٢ ساحل البحر الأسود من الشمال ترتبط باليابس ببرزخ بريكوب (الموسوعة العربية الميسرة ١٣٧٧) .
[٤] وردت بالمخطوط وراءها.
[٥] البحر الفارسي: شعبة من بحر الهند الأعظم، وهو فوهة دجلة التي تصب فيه، وتمتد سواحله نحو الجنوب إلى قطر وعمان والشحر- (مراصد الاطلاع ١/١٦٦) ويقصد به الخليج العربي الآن.
[٦] كيلان: وهي گيلان وجيلان شمال إيران.
[٧] اللر واللور واللار: اللور قوم يسكنون اللار وهي منطقة بإقليم فارس ويسمى اللورستان، واللار: جزيرة بين سيران وقيس فيها مغاص اللؤلؤ (مراصد الاطلاع ٣/١١٩٤) .
[٨] الشول: قوم يقطنون إقليم فارس.
[٩] وردت بالمخطوط سكاره وهي شنكاره.
[١٠] الأكراد: شعب يسكن هضبة فسيحة في آسيا الوسطى، وبلادهم موزعة بين تركيا وإيران والعراق وغيرهم.
3 / 27
يليها مملكة مصّر والشام والحجاز وتلك عمود الإسلام وفسطاط الدين، يحدها ممالك الإسلام من كل جهاتها الأربع، منتهية في الجنوب إلى اليمن، واليمن والحجاز كلاهما من جزيرة العرب على ما يأتي تبينه، ثم إلى البحر الآخذ على جدة إلى آيله [١] وينتهي في الشمال إلى البحر الرومي، ثم اليمن، وهو جنوب «١» الحجاز في نهاية جزيرة العرب، يحدها من جنوبها البحر الآخذ إلى الهند، ومن شرقها البحر الآخذ إلى جدة، ومن شمالها الحجاز، ومن غربها بحر الحبشة، ثم ممالك الإسلام بالحبشة، فالحبشة «٢» متصلة بأطراف الواحات، آخذة إلى الجنوب محيط بها بحر الحبشة من شرقها، وممالك نصارى الحبش من جنوبها، وكفارهم، ثم الصحارى القفار من غربها، وشمالها الواحات، ثم الكانم [٢]، وهو على ضفة النيل على مسامته دنقله [٣] ثم يليها من وراء برقة، مملكة إفريقية، يحدها من جنوبها كفار السودان، وبقية حدودها منتهية إلى ممالك الإسلام من «٣» شمالها البحر الشامي [٤] ثم بر العدوة، يحدها ممالك الإسلام، من جنوبها بلاد البربر ثم ما
_________
[١] إيلة: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام قيل هي آخر الحجاز وهي الآن إيلات: ثغر شمال خليج العقبة وتسمى إيلة نسبة إلى إيلة ابن مدين، اشتهرت في القدم كان بها قلعة لابن طولون والغوري (مراصد الاطلاع ١/١٣٨، الموسوعة العربية الميسرة ٢٩١) .
[٢] الكانم: من بلاد البربر- أقصى المغرب في بلاد السودان- وقيل: كانم: صنف من السودان.
[٣] دنقلة: وهي دمقلة أو دمكلة مدينة كبيرة في بلاد النوبة (مراصد الاطلاع ٣/١١٤٤) (مراصد الاطلاع ٢/٥٣٤) .
[٤] البحر الشامي: هو البحر الرومي أو البحر الأبيض المتوسط.
3 / 28
يلي، ومن شمالها بلاد إفريقية، (المخطوط ص ٤) ومن غرب «١» البحر المحيط [١]، ومن شمالها بحر الزقاق [٢] إلى البحر الشامي «٢»، ثم بر العدوة، وشرقها القفار، ثم يليها ماء وما معها، جنوبها غانة وبلاد كفار السودان، وغربها المحيط، وشمالها جبال البربر وبر العدوة، وشرقها القفار ثم يليها جزيرة الأندلس، وهي نهاية ممالك الإسلام، ليست بجزيرة، ولكن «٣» كالجزيرة، يحيط بها من جانبها الجنوبي البحر الشامي ومن غربها وشمالها البحر المحيط، ويبقى «٤» شرقها مكشوفا متصلا بالأرض الكبيرة ذات الألسن الكثيرة، فلو مشى [٣] ماش من نهاية غرب الأندلس عند مخرج بحر الزقاق، في الجانب الشمالي إلى ناحية شرقه انتهى «٥» إلى الجبل المسمّى بهيكل الزهرة [٤]، وهو آخر حد الأندلس، وفيه الأبواب المفتوحة، وقد تقدم ذكرها.
ثم يمشي الماشي من تلك الأبواب إلى أن يخرج من شرقي هذا الجبل، ويدخل في الأرض الكبيرة، ويمشي فيها إلى حيث شاء من الأرض «٦» شمالا وشرقا وجنوبا لا يقطعه بحر، حتى أنه إذا أراد مشى على ساحل البحر الشامي، وما هو متصل به
_________
[١] البحر المحيط يقصد به هنا المحيط الأطلسي (انظر مراصد الاطلاع ١/١٦٦) .
[٢] الزقاق: بضم أوله وآخره، مجاز البحر بين طنجة مدينة المغرب على البر، والجزيرة الخضراء وهي في جزيرة الأندلس (مراصد الاطلاع ٢/٦٦٨) . وهو الآن مضيق جبل طارق.
[٣] وردت بالمخطوط مشا.
[٤] هيكل الزهرة أظنه جبال البرانس، والزهراء مدينة صغيرة قرب قرطبة (مراصد الاطلاع ٢/٦٧٧) .
3 / 29
حتى ينتهي إلى حجزة، ثم يدور معها «١» عند حجزة ببلاد الشام على شرقه، ثم يدور معه على ساحله الجنوبي حتى يعود إلى نهاية الغرب قبالة المكان الذي بدأ منه عند مخرج الزقاق في الجانب الجنوبي، لا يقطعه دون ذلك قاطع، ولا يمنعه مانع.
واعلم أن الأمر في تحديد الأقاليم العرفية لا يجري في تحديد الدار أو البستان ونحوهما لأن غالب الدور والبساتين تكون قطعا مربعة أو مثلثة أو متساوية الجوانب، وليس الأمر في الأقاليم العرفية كذلك، فإن بعض جوانبها يكون مداخلا لإقليم آخر، وبعضها يكون فيه تقويس، وبعض جوانبها أعرض من بعض، والذي يحدد المكان إنما يحدده بالجهات الأربع، وهي الشرق والغرب والجنوب والشمال، وذلك لا يصفو [١] في الأقاليم العرفية، لما ذكرناه، ولو كانت الأقاليم قطعا مربعة أو متساوية الجوانب لأمكن فيها ذلك، فينبغي أن يعرف العذر في التقصير في تحديدها، لا سيما عند من لم يشاهدها وإنما (المخطوط ص ٥) نقلها من الأوراق وأفواه الرجال، فإن عذره في التقصير أوضح، وأيضا فإن بعض الأقاليم يكون على شكل مثلث كجزيرتي الأندلس وصقلية [٢]، وبعضها يكون ذا خمسة أضلاع وأكثر وأقل، فيتعدد ذكر ذلك بجهاته الأربع على الصحة «٢»، ومن هذا نشرع في ذكر الممالك مملكة مملكة، وهذا الباب هو المراد من هذا الكتاب، وبسببه ألف
_________
[١] وردت بالمخطوط لا يصفوا، ويلاحظ وضعه حرف الألف أمام الأفعال المعتلة الآخر بالواو مثل يربو- يرنو- يسمو- ينجو- مع المفرد الغائب وقد حذفتها في الصفحات التالية دون الإشارة إليها.
[٢] صقلية: جزيرة، وإقليم متمتع بالحكم الذاتي تتبع إيطاليا عاصمتها بالرمو، من أكبر جزر البحر المتوسط تقع بين بحر إيجه والبحر التريني (الموسوعة العربية الميسرة ١١٢٦) وهي من جزائر بحر المغرب مقابلة إفريقية (مراصد الاطلاع ٢/٨٤٧) .
3 / 30