والجواب أن يقال: استحالة إرادة قديمة متعلقة بإحداث شيء أي شيء كان، تعرفونه بضرورة العقل أو نظره؟ وعلى لغتكم في المنطق تعرفون الالتقاء بين هذين الحدين بحد أوسط أو من غير حد أوسط. فإن ادعيتم حدا أوسط وهو الطريق النظري فلا بد من إظهاره، وإن ادعيتم معرفة ذلك ضرورة فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكم والفرقة المعتقدة بحدوث العالم بإرادة قديمة لا يحصرها بلد ولا يحصيها عدد؟ ولا شك في أنهم لا يكابرون العقول عنادا مع المعرفة، فلا بد من إقامة برهان على شرط المنطق يدل على استحالة ذلك، إذ ليس في جميع ما ذكرتموه إلا الاستبعاد والتمثيل بعزمنا وإرادتنا وهو فاسد، فلا تضاهي الإرادة القديمة القصود الحادثة، وأما الاستبعاد المجرد فلا يكفي من غير برهان.
فإن قيل: نحن بضرورة العقل نعلم أنه لا يتصور موجب بتمام شروطه من غير موجب، ومجوز ذلك مكابر لضرورة العقل.
قلنا: وما الفصل بينكم وبين خصومكم إذا قالوا لكم: إنا بالضرورة نعلم إحالة قول من يقول: إن ذاتا واحدا عالما] (¬1) بجميع الكليات من غير أن يوجب ذلك كثرة، ومن غير أن يكون العلم زيادة على الذات، ومن غير أن يتعدد العلم بتعدد المعلوم، وهذا مذهبكم في حق الله، وهو بالنسبة إلينا وإلى علومنا في غاية الإحالة. ولكن تقولون: لا يقاس العلم القديم بالحادث. وطائفة منكم استشعروا إحالة هذا؛ فقالوا: إن الله لا يعلم إلا نفسه، فهو العاقل وهو العقل وهو المعقول، والكل واحد. فلو قال قائل: اتحاد العاقل والمعقول والعقل معلوم الاستحالة بالضرورة، إذ تقدير صانع للعالم لا يعلم صنعه محال بالضرورة، والقديم إذا لم يعلم إلا نفسه -تعالى عن قولكم وعن قول جميع الزائغين علوا كبيرا- لم يكن يعلم صنعه [البتة] (¬2)؛ بل لا يتجاوز علمه ذاته.
إلزامات هذه المسألة:
পৃষ্ঠা ৭৪