وفي كتاب مسز داجديل عن حياة لورد بلفور، تتحدث عن مقابلة وايزمان لبلفور الثانية فتقول: إن وايزمان «وجد حديثه الأول مع بلفور منذ ثماني سنوات ما زال ماثلا في ذهن بلفور، فواصلاه في عبارات عامة لا تحديد فيها. ولكن قبل أن يفترقا تساءل بلفور هل كان يستطيع معاونة وايزمان في شيء ما، فقال هذا وهو يبتعد: «ليس والمدافع تزأر.» ثم قال: «عندما يتضح الموقف الحربي سآتي مرة أخرى.» فقال بلفور: «لا تنس أن تعود ... إنها لقضية عظيمة تلك التي تعمل من أجلها، وأود منك أن تعود مرة بعد أخرى».»
ولكن بلفور لم يكن يومئذ عضوا عاملا في الوزارة البريطانية على الرغم من كونه عضوا في وزارة الحرب، حين دخلت تركيا الحرب قدم وايزمان مقترحات عديدة عن وطن قومي لليهود في فلسطين تحت الحماية البريطانية، وقدم هذه المقترحات بتوصية من سكوت إلى سير هربرت صامويل ومستر لويد جورج. وفي سنة 1935م ألقى سير هربرت صامويل محاضرة في جمعية التاريخ الإسرائيلية في لندن ضمنها ما حدث من اتصال وايزمان به في سنة 1914م، وأنه اهتم بالمسألة اهتماما بالغا لسببين؛ أولهما: تأثره بشخصية وايزمان، والثاني: أنه لما كان هو أول عضو في الجالية اليهودية يعين عضوا في الوزارة البريطانية - باستثناء دزرائيلي الذي كان قد اعتنق المسيحية - شعر بأن من واجبه تأييد الحركة الصهيونية مع أنه لم يكن على اتصال بها. ثم قال سير هربرت في محاضرته: «وسرعان ما وصلت إلى نتيجة حاسمة هي أنه إذا كسب الحلفاء الحرب - كما كنا نأمل جميعا - فإن فلسطين يجب أن تفصل من الإمبراطورية التركية، وأن الفرصة يجب أن تنتهز لتسهيل إنشاء جالية يهودية عظيمة ذات استقلال ذاتي هناك، وأن يكون هذا تحت نوع من الحماية البريطانية.» ثم قال: إنه تحدث في نوفمبر سنة 1914م إلى سير إدوارد جراي - وزير الخارجية البريطانية - في الموضوع وقال له: «ربما تسنح الفرصة لتحقيق أمنية اليهود القديمة وإعادة إنشاء دولتهم هناك «في فلسطين».» واختتم سير هربرت صامويل محاضرته قائلا: «إن هذا كان نص المقترح الصهيوني.» على أن سير إدوارد جراي رد على زميله قائلا: إن الفكرة ظلت تجذبه مدة طويلة، وإن العامل التاريخي فيها قوي، وإنه يحبذ المقترح بكل قواه، وهو على استعداد للعمل من أجله، حين تحين الفرصة الملائمة، وحتى إذا عرضت فرنسا أو أية دولة مقترحات بشأن سوريا فمن المهم أن لا يوافق الجانب البريطاني على ما لا يتفق وفكرة إنشاء «دولة يهودية» في فلسطين، ثم تساءل: هل كان سير هربرت صامويل يرى ضرورة تطبيق المبدأ اليهودي على سوريا مضافة إلى فلسطين؟ على النقيض، يجب ألا يتضمن المشروع أماكن كبيروت أو دمشق وغيرهما؛ نظرا لأنهما يضمان في صدورهما أغلبية عظيمة من غير اليهود، ومن الصعب صبغهما بالصبغة اليهودية. على أن اليهود من سكان فلسطين كانوا في هذا الوقت لا يزيدون على 83 ألفا، بينما كان العرب يبلغون 757 ألفا؛ أي بنسبة 9٪ إلى 91٪.
حدث بعد هذا أن أرسل سير إدوارد جراي - وزير خارجية بريطانيا - إلى مسيو زازونوف - وزير خارجية روسيا - مذكرة عن إعادة اليهود إلى فلسطين وما ينشأ عنه من تحول العناصر اليهودية المعادية لقضية الحلفاء في الشرق وفي الولايات المتحدة إلى جانب هذه القضية. وقد قوبلت هذه المذكرة في روسيا في ترحاب مجيد. غير أنه حدث يومئذ أن الانهيار الروسي قد أظهر للحلفاء حقيقة كانت خافية عليهم قبل ذلك، وهي أنه كان لا بد لهم إذا أرادوا النصر في حربهم ضد ألمانيا أن يحصلوا على المعونة الإيجابية من الولايات المتحدة ... وكان المعتقد أن العقبة الوحيدة في طريق انضمام أمريكا إلى قضية الحلفاء كامنة في معارضة عدد كبير من الأمريكيين الذين من أصل ألماني ... ولكن معظم هؤلاء كانوا من اليهود، وإذن أصبح مرجع الاهتمام بالحركة الصهيونية الحصول على عطف الأمريكيين الذين من أصل ألماني على قضية الحلفاء.
وقبل هذا كانت مقاليد وزارة الخارجية البريطانية قد انتقلت من بين يدي سير إدوارد جراي إلى يدي لورد بلفور، وإن أدق صورة لما كانت عليه علاقات الصهيونية بالحكومة المعدلة الجديدة هي التي كتبها مستر صامويل لاندمان في مذكراته تحت يومي 22 فبراير وأول مارس سنة 1917م. وقد أدلى بهذه المذكرات فيما بعد إلى مجلة «ورلد جوري»، ومستر لاندمان هذا كان في ذلك الوقت سكرتيرا لمسيو سوكولوف، ثم أصبح سكرتيرا للهيئة الصهيونية العالمية، ولهذا كان ملما بأسرار الحركة الصهيونية.
يقول مستر لاندمان: إن سير مارك سايكس حاول كثيرا الاتصال بالأمريكيين اليهود الذين من أصل ألماني، ولكنه لم يفز بأي نجاح يذكر، وكان سير مارك سايكس يومئذ يشغل منصب مساعد وزير الحربية البريطانية، كان نقطة اتصال بين وزارة الحربية ووزارة الهند وأقلام المخابرات السرية وبعض الهيئات الأخرى ذات الأهمية العظيمة. وحدث مرة أن أعرب سير مارك عن أسفه لعدم نجاحه في الاتصال بيهود أمريكا. وكان مستر جيمس مالكولم - وهو بريطاني معروف من أصل أرمني - حاضرا، وكانت له صلة وثيقة ببعض دعاة الصهيونية السياسية المعروفين، فسارع إلى القول: «إنك تنتهج الطريق الخطأ فإن سراة اليهود الذين تلتقي بهم ورجال الدين الإسرائيليين ليسوا الزعماء الحقيقيين للشعب اليهودي، بينما الصهيونية السياسية أو الصهيونية القومية «أي إنشاء وطن قومي في فلسطين» هي مفتاح التأثير في يهود الولايات المتحدة.»
وأضاف مستر مالكولم إلى ذلك: إن هناك طريقة يمكن باتباعها اجتذاب اليهود الأمريكيين إلى الحلفاء، وإنه يعرف رجلا في أمريكا يحتمل أن يكون أصدق صديق للرئيس ولسون ... وعن طريق هذا الرجل يمكن تحويل الرئيس الأمريكي إلى الاشتراك الفعلي في الحرب إلى جانب الحلفاء، وكان هذا الرجل الذي عناه مستر جيمس مالكولم هو القاضي لويس برانديس - عضو المحكمة الأمريكية العليا.
ولم يقف مالكولم عند هذا الحد، بل استطرد في نصائحه لسير مارك سايكس قائلا: «لن تستطيع أن تكسب عطف اليهود في كل مكان إلا بطريقة واحدة هي أن تعرض عليهم أنك ستحاول الحصول لهم على فلسطين.»
ولما كان سايكس هو الذي قام بالمفاوضة في اتفاق سايكس-بيكون مع الفرنسيين، القاضي بفرض الانتداب الدولي على فلسطين، فقد قال مجيبا: إن هذا مستحيل، فنصحه مالكولم بعرض الأمر عاجلا على الوزارة البريطانية، ولما فعل سير مارك سايكس هذا، تقرر البدء فعلا بالمفاوضات عبر المحيط. وسبقت هذا اجتماعات عقدت في منزل الدكتور وايزمان في شارع أديسون في لندن بين زعماء الصهيونية ورجال الحكومة البريطانية «ثم أرسلت رسالة سرية بالشفرة عن طريق وزارة الخارجية إلى القاضي برانديس تضمنت أن الوزارة البريطانية ستساعد اليهود في الحصول على فلسطين في مقابل عطف اليهود العملي وعونهم في الولايات المتحدة إزاء قضية الحلفاء.» ومنذ يومئذ عدت الصهيونية «حليفا للحكومة البريطانية»، وتدفقت عليها المساعدات الممكنة من كل فرع حكومي. وقد اعترف التقرير الصهيوني بهذه المفاوضات، وجاء فيها: «وهكذا فتح باب المفاوضات التي انتهت بعد تسعة شهور من بدئها بتصريح بلفور.»
وبعد هذا وجه الصهيونيون أنظارهم إلى باريس وروما، وقد بدأتا تثيران الصعوبات في وجه مشروع «إسكان اليهود في فلسطين تحت الحماية البريطانية». وللمرة الثانية تدخل مالكولم الأرمني في الأمر - وكان صديقا للزعماء الفرنسيين - فأسدى بذلك أجل خدمة للصهيونية.
كان مسيو سوكولوف قد حاول من قبل أن يحصل على إذن بمقابلة رجال الحكومة الفرنسية، ولكنه لم يستطع لسببين؛ أولهما أن فرنسا كانت لا تزال تعد نفسها حامية المسيحيين في الشرق الأدنى، والثاني أن غالبية يهود فرنسا كانت من معارضي الصهيونية السياسية ومشروعها في فلسطين، وحتى البارون إدموند دي روتشيلد نفسه لم يستطع أن يتحدث في الأمر إلى أي فرد من أعضاء الوزارة الفرنسية.
অজানা পৃষ্ঠা