وقد عمد نابليون بونابرت حين أراد غزو مصر والشرق في سنة 1799م إلى دعوة يهود أفريقيا وآسيا إلى استعادة وطن قومي لهم تحت حمايته في القدس. غير أن هذا الغرض لم يتحقق؛ لأن الجيش الفرنسي حمل على الجلاء بعد ثلاث سنوات، وزال حلم إقامة إمبراطورية فرنسية في الشرق.
وقد تبع هذا غزو محمد علي باشا الكبير للبلاد الفلسطينية والسورية بقيادة ابنه إبراهيم باشا الذي لبث واليا عليها سبع سنين، ثم كان من أثر تدخل الدول الأوروبية الكبرى، أن انجلت جنود محمد علي وإبراهيم عن فلسطين وسوريا ولم يوفقا في إنشاء إمبراطورية عربية.
كان هرزل ينادي بأن يكون الإسرائيليون أمة واحدة ذات وطن في فلسطين، وطن يمنح رسميا وتضمنه الدول. وتألف المؤتمر اليهودي من الجماهير اليهودية دون الكبراء، وجعل الحركة مشابهة لأعمدة الشمع السبعة في المعبد. وقابل السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والباب العالي في استنبول، ملتمسا منح امتياز بهذا الوطن، ولكن السلطان رفض هذا الطلب. وزار هرزل فلسطين مرة واحدة؛ وذلك لكي يقابل الإمبراطور الألماني الذي كان يزور السلطنة العثمانية التركية يومئذ.
تجاوب الصدى لنداء هرزل، في أحياء اليهود في المدن الأوروبية، ونهض لمؤازرته كتابهم كإسرائيل زانجويل الكاتب الإنجليزي اليهودي، واستجاب للدعوة اللورد روتشيلد الأول - كبير الماليين اليهود الإنجليز - وجوزيف تشمبرلين - وزير المستعمرات - الذي أذن بتفقد الجزء الشمالي من شبه جزيرة سينا حول العريش داخل الحدود المصرية لكي تكون وطنا صغيرا، غير أن عدم وجود الماء حال دون المضي في هذه الفكرة، وعلى أثر هذا عرضت عليهم قطعة من الأرض في أفريقيا الشرقية البريطانية لتكون لليهود مستعمرة مستقرة مستقلة، غير أن صهيونيي روسيا تمسكوا بأن يكون الوطن اليهودي في فلسطين دون سواها. وفي سنة 1904م مات هرزل متألما من هذا الانقسام، ومخاطبا ذلك المؤتمر بأن المسألة ليست حلما بل حقيقة.
وقد استمرت زيادة السكان اليهود ونمو التجارة في فلسطين منذ سنة 1904 إلى سنة 1914م حين أعلنت الحرب العالمية الأولى. وحسبنا أن نذكر أن يهود القدس كانوا يؤلفون أغلبية سكانها البالغ عددهم 30 ألفا في سنة 1911م، وزادت قيمة صادرات يافا من 250 ألف جنيه إنجليزي في سنة 1900 إلى 700 ألف في سنة 1911م، والواردات من 380 ألفا إلى مليون جنيه، والقضايا من 50 ألفا في سنة 1883م إلى مليونين في سنة 1923م، وكان 12 ألف يهودي يشتغلون في الزراعة وآخرون من يهود بخارى في الحرير، ومن اشتراكيي روسيا أنصار تولستوي كانوا يعملون بأيديهم وفنهم.
وفي سنة 1897م عقد المؤتمر الصهيوني الأول ممثلا خمسين جمعية. وقاومت الحكومة العثمانية الفكرة، ومنعت هجرتهم. وفي سنة 1895م ألف تيودور هرتسيل أو «هرزل» كتابه «الوطن اليهودي»، مقترحا أرضا في فلسطين أو في الأرجنتين لتكون وطنا لليهود؛ لأنهم شعب لا يمتزج بغيره ومضادتهم خطر على العالم. واقترح تأليف شركة يهودية صناعية استعمارية رأس مالها 50 مليون جنيه إنجليزي مركزها لندن، لكن يهود إنجلترا لم يعبئوا بدعوته. وكذلك قاومته جمعية زيوف في النمسا، كما قاومه رجال الدين اليهودي والمدنيون؛ لأن بعض رجال الحركة كانوا لا دينيين، وقال حاخامو اليهود: إن الصهيونية بعيدة عن اليهودية.
وبين سنة 1897 و1911م عقدت عشرة مؤتمرات؛ الأول: بازل في سويسرا في سنة 1897م، وقرر المؤتمر تعليم العبرية وإنشاء مدرسة لتعليمها ومدارس أخرى ولجنة للآداب العبرية، وإنشاء صندوق للتوفير وترقية الزراعة والتجارة، وتغذية الشعور اليهودي. وفتح الاكتتاب وجمع 400 ألف جنيه إنجليزي. وعقد المؤتمر الثاني في بازل في 1898م، واشترك فيه بعض المتدينين. والثالث في سنة 1899م في بازل. والرابع في كوينز هول في لندن في 1900م. وقد رفض السلطان عبد الحميد والباب العالي منح اليهود مشروع الامتياز والهجرة.
ولكن هرتسل ومعه داود ولفسون وأوسكار مارموزك في أيار سنة 1901م قابلوا عبد الحميد الذي منح هرتسيل المجيدي الأول. وفي كانون الأول سنة 1901م عقد المؤتمر الخامس، وقابل هرتسيل الإمبراطور غليوم الثاني في أثناء زيارته للقدس، وعرض على عبد الحميد 300 ألف قرش سنويا مقابل الحكم الذاتي لليهود.
واستمرت مشروعات اليهود في فلسطين في الخفاء. ثم إن هرتسيل قد عرض في مفاوضاته للورد كرومر - المعتمد البريطاني في مصر - استعمار شبه جزيرة سينا، وأرسل الفريقان في سنة 1903م بعثة ارتادت الأرض، لكن مصر رفضت إمداد سينا بالماء.
وفي 14 آب سنة 1904م عرض تشامبرلن - وزير الخارجية البريطانية - شرقي أفريقيا، ولكن المؤتمر السادس في بازل سنة 1903م رفض عرض أرض أفريقيا.
অজানা পৃষ্ঠা