أما القضاء فسائر على طريقة كافلة للحقوق المدنية والاجتماعية نوعا ما، وما كان للحبشة نواميس شرعية ولا قوانين وضعية فيما يختص بالمعاملات القضائية، بل كان القضاء يسير مع العرف إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وهناك أقام أحد رجال الدين المسيحي «أسعد عسال القبطي» ووضع للحبشة قانونا نسقه تنسيقا بديعا، قسمه قسمين: الأول منهما يختص بالكنيسة، والثاني في المعاملات، وكان مرجعه فيه كتاب التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي في فقه السادة الشافعية، وقد أطلق على هذا القانون اسم «فتانفوس»، وقد صدق جلالة الإمبراطور على المعاملة به في جميع أنحاء الأقاليم الحبشية. أما المسئولون عن تنفيذه في القرى فهم أكبر سكانها سنا وأكثرهم حنكة، وفي العواصم الرءوس، ماعدا «أديس أبابا» التي يباشر القضاء فيها جلالة الإمبراطور بنفسه وهو يجلس في ساحة مكشوفة، ثم ترفع على رأسه مظلة كبرى «شمسية» كملوك الفور وواداي، ويجلس على يمين الإمبراطور 12 رجلا، وعن شماله 12 رجلا من أعيان المملكة الذين يشترط أن يكون فيهم رئيس الكهنة بردائه الكهنوتي، ويحمل القانون المسمى «فتانفوس» كاهن آخر، ثم يأتي بالمتقاضين فيقفون صفا أمام الإمبراطور على بعد 30 مترا منه، ثم يؤذن لهم في عرض ظلامتهم على هيئة القضاء، فينادي المظلوم بأعلى صوته قائلا: «جاتهوه جاتهوه»؛ أي يا حضرة الإمبراطور، يكررها سبع مرات، وذلك بين دائرة من جنود الحرس المدججين بالسلاح، والناس في سكون شامل لهيبته.
ومن المألوف في الحبشة نظام التحكيم، وكثيرا ما يلجأ المتخاصمان إلى رجل محترم في الطريق ، يحتكمان إليه وينزلان عند حكمه.
ومما يذكر أن إيطاليا كانت تطمع في غزو الحبشة منذ زمن بعيد.
بدأت إيطاليا استعمالها الأفريقي بإنشاء شركة إيطالية اشترت ثغرا صغيرا يدعى «عصب» سنة 1869 من شيخها، وكانت من أملاك الباب العالي التركي، فاحتج على هذا البيع وعده باطلا؛ لصدوره من غير مالك، ولكن الشركة الإيطالية «شركة روباتينو» نزلت عن «عصب» إلى الحكومة الإيطالية التي أرسلت بعض التجار الإيطاليين للإقامة بها، على رأسهم «الكونت أنتونيلي» الذي عقد مع إمبراطور الحبشة منليك الثاني معاهدة صداقة، واحتلت إيطاليا ثغر مصوع وجزرا غيرها، وألفت مستعمرة إريتريا، منتهزة فرصة الثورة المهدية في السودان، وضعف مصر، وسعي كل من إنجلترا وفرنسا لتقسيم أفريقية الوسطى والشرقية، وواصلت إيطاليا احتلال بلاد في الحبشة، وطلب الإمبراطور منليك إلى الجنرال (جيته) إخلاء البلاد وضم منليك (هرر) إلى أملاكه. ووقعت حرب بين الرأس ألولا وهزم الجيش الإيطالي في يناير سنة 1887 على مقربة من روجالي، فأرسلت الحكومة الإيطالية في أواخر سنة 1887 جيشا عدده (25) ألفا، نصفه من الإيطاليين ونصفه من الأهلين، واحتل الجيش «صاتى».
وقد حدث في أثناء ذلك أن الملك يوحنا انتقض على الإمبراطور منليك وحارب جنود المهدي عند (القلابات) وقتل في مارس سنة 1888، وانهزمت جنوده بعد انتصارها في حياته.
وقد عقدت إيطاليا مع (منليك) معاهدة أوتشيالي، وبناء عليها قبل الإمبراطور أن تكون حكومة إيطاليا وسيطا بين الحبشة والدول الأجنبية في جميع المسائل.
وقد كتبت هذه المعاهدة من نسختين: نسخة باللغة الحبشية، ونسخة باللغة الإيطالية، والنسخة الحبشية تقول:
يجوز للإمبراطور أن يتخذ وساطة حكومة جلالة ملك إيطاليا سبيلا إلى تسوية جميع المسائل المتعلقة بالدول الأجنبية.
وبينما تقول النسخة الحبشية: «يجوز»، كانت النسخة الإيطالية تقول: «يوافق إمبراطور الحبشة إلخ»، وقد وقع منليك النسخة الحبشية ولم يوقع على النسخة الإيطالية، وفي 12 فبراير سنة 1893 أبلغ منليك الثاني الدول بأنه غير مرتبط بالمعاهدة الإيطالية التي نشرتها إيطاليا وفسرتها على أنها جعلت الحبشة تحت حمايتها. غضبت إيطاليا من الحبشة، وزحفت جنودها بقيادة الجنرال باراتيري، فاحتلت كسلا من بلاد السودان سنة 1894، ثم تقدمت إلى الحدود الحبشية، فانتصرت الجنود الإيطالية على جيش الرأس مانجاشا في سنة 1895، واحتلت أديجران وميكالي وأمبا ألاجي، ولكن منليك تقدم بجيشه ومعه الرأس ماكونن، فهزم الجيش الإيطالي شر هزيمة، وقتل منه الألوف وغنم ذخائره، وانتحر القائد الإيطالي الماجور توسلي، وانسحب الإيطاليون.
وطلب منليك أن تدفع إيطاليا له فورا 25 مليون ريال حبشي حتى يقبل وقف الحرب وعقد الصلح الذي عرضه القائد العام للجيوش الإيطالية في أفريقية وهو الجنرال باراتيري؛ ولكن إيطاليا رفضت الصلح على هذه الشروط فاستعد الجيش الإيطالي للحرب، وقسم نفسه أربعة أقسام، أحدقت بها الجيوش الحبشية وهزمتها، وأعاد باراتيري تنظيم الجيش الإيطالي، وهجم على (عدوة) التي وقعت فيها الموقعة المشهورة وقتل الجنرال أريمندي والجنرال دامبراميدا، وأسر الجنرال البريتوني، وأصيب الجنرال أنلينا بجرح خطير، وغنمت الحبشة 72 مدفعا وذخائر وأعلاما إيطالية و7000 أسير، وقتل وجرح 1000 إيطالي.
অজানা পৃষ্ঠা