وفي القرن السادس قبل الميلاد، كان هناك 16 دولة وإمبراطورية وجمهورية قبيلة، كإمبراطوريات كوزالا، ومجادة، والفاماس؛ والأفانتي ومملكة أودة، التي يبدو أنها أقدم دولة في الهند في 6000ق.م. هذا والمظنون أن الدارفيديين قد وصلوا في القرن السابع قبل الميلاد إلى بابل، وعرفوا الحروف الهجائية السامية، وعادوا بها إلى بلادهم، فتطورت عنها الحروف الهجائية في الهند وسيام وسيلان وغيرها. هذا ويبدو أن الديانات القديمة في الهند ترجع إلى أصول قديمة جدا قبل أن يصوغها منشئوها ويزعمون تقريرها، فقد كان فلاسفة ما قبل التاريخ يعرفون «الجينزية» وهي عقيدة دينية لطائفة في الهند دون غيرها، تعدادها الآن أكثر من مليون. وقد أنشأ هذه الديانة في القرن السادس قبل الميلاد فارداهمانا ماهافيرا، وهي تنادي بتقديس الحياة كلها وبعدم فناء المادة، وأن الروح في تجسدها المتتابع تحتفظ بذاتيتها. كذلك عرف هؤلاء الفلاسفة البوذية، التي أنشأها في 520ق.م. جوتاما بوذا بن راجا مملكة كابيلا «568-488ق.م» وكان أصل اسمه سيد هارتا. أما اسم بوذا الذي أطلق عليه بعدئذ، فمعناه «الرجل المستنير» وفي التاسعة والعشرين هجر داره وزوجه وولده، ممضيا ستة أعوام في التجوال والحرمان ثم آثر أن يقضي ما بقي له في الصوم تحت شجرة المعرفة في بوذا جويا، وهناك تلقى الاستنارة والحكمة؛ ومضى منذ يومئذ يعلم الناس العقيدة الجديدة التي أنشأها؛ أي البوذية التي كانت في أصلها تقوم على طريقة في الحياة ترمي إلى إنقاذ النفس الإنسانية، ثم تطورت إلى ديانة لها طريقتها الفلسفية الخاصة، وغايتها بلوغ درجة النيرفانا حين يتجرد الإنسان من شخصيته كلها وينسحب من ملذات الدنيا، كذلك تتضمن ما ينبغي على الإنسان أن يقوم به لتقوم حياته على الحق والتفكير العقلي الصحيح والتحرر من القيود الإنسانية، فهي تشجع على العزوبة، وسنوضح هذا كله بعد. وحسبنا أن نذكر هنا أن البوذية، فيما عدا الهند، قد انتشرت في التبت وبورما والصين واليابان. فهي إحدى الديانات الثلاث في الصين، وهي الديانة الرئيسية في سيلان.
أما في التبت فقد تطورت إلى اللامية، ويبلغ عدد البوذيين في العالم 160 مليونا الآن.
وقد وجدت البوذية من الممالك اليونانية في البنجاب باعثا جديدا على النهضة «وقد تحول ملك ماجده أو بيهار «264-227ق.م» إلى البوذية، وكان يعول 64 ألف قسيس بوذي، ودورا للعبادة، ومملكة تدعى موناسيترم. وكان هذا العصر فاصلا كما كان عصر الإمبراطور قسطنطين في المسيحية. ولقد غزا اليونان الهند في 327ق.م. وقد ترجع التجارة بين الهند والشرق الأدنى إلى أبعد من هذا.
الفصل الرابع
الآرية والبوذية
منذ نحو سنة 2000ق.م. عرف التاريخ أن أناسا ينطقون بالآرية نزلوا إلى الهند من شمالها الشرقي، وليس يعرف هل جاءوا في غزوة واحدة أم في غزوات متلاحقة، وكيفما كان الأمر، فإنهم نشروا لغتهم السنسكريتية وهي إحدى اللهجات الآرية، وكان سكانها الأصليون قمحيي اللون أو أقرب إلى سواد البشرة. ولئن كانت حضارتهم أرقى من حضارة الشعب الآري إلا أنهم كانوا غير مستمسكين بامتلاك وديان الهندوس والجنج. كما أن الغزاة الآريين آثروا أن يكونوا بمعزل عن غيرهم غير حافلين بالاندماج في السكان الأصليين، على أن من العسير أن يرد المؤرخ سكان الهند إلى عنصر واحد؛ إذ إنهم منقسمون أقساما.
أما البوذية التي أشرنا إليها فهي التي كان منشئها أو صائغها بوذا الذي أصله اسمه - كما قدمنا - سيدهاتا جوتاها وليد أسرة أرستقراطية كانت تحكم أحد الأقسام الصغيرة في منحدرات جبال الهيمالايا، فإنه في التاسعة عشرة قد اقترن بابنة عمه وكانت فتاة جميلة، وكان يهوى الصيد والتجوال في الحديقة تحت أشعة الشمس المشرقة والأحراش وري حقول الأرز، وكان من أثر هذه الحياة الخلية أن أصبح برما بها متطلعا إلى حياة أخرى؛ حياة الجد والتفكير عوضا عن حياة اللهو والخمول ذاهبا إلى أن عهدها قد طال، وأنها أبعد عن أن تكون مفيدة. وطفق «جوتاما» يفكر فيما ينزل بالإنسانية من الكوارث والأمراض وأسباب القلق وفقدان السعادة إلى أن اتفق له أن قابل أحد نساك الهند، الذين كانوا منتشرين في أرضها وكانوا يمضون الوقت في التأمل والجدل الديني منقبين عن حقيقة هذه الحياة الدنيوية. وهنا آثر «جوتاما» أن يقفو قفوهم، ويبدو أنه قد تغشاه شعور روحي جعله يعود إلى داره، وعامدا إلى مغادرته ليلا حين كانت زوجه مع طفله المولود حديثا، ممتطيا جواده في ضوء القمر إلى أن خرج من حدود قريته تاركا جواهره وسيغه محمولا على جواده، الذي عاد إلى الدار، ثم ارتدى ثوبا مرقعا أخذه من أحد المارة بعد أن أعطاه الثوب الأنيق، وأصبح «جوتاما» عاريا عن كل المظاهر الدنيوية إلى أن بلغ مكانا في جبال الونديا، هناك لقي جماعة من النساك القابعين في الكهوف، لا يغادرونها إلا لحاجة في القرية المجاورة.
لم يقنع «جوتاما» بمذهب هؤلاء في علم ما وراء المادة، مؤثرا أن يأوي مع خمسة من صحبه النساك إلى الغابة، آخذا نفسه بالصيام والكفارة المرهقة عن ذنوبه، على نهج ما عرف عن الهنود من صرامة التنسك والزهد الذي يقوم على الصوم واليقظة ليلا وتعذيب النفس، فقد رأى «جوتاما» أن هذه الفلسفة هي الطريق إلى القوة والعلم، وقد ذهبت لجوتاما بهذا شهرة لا ضريب لها في الهند؛ وقد لبث على هذا الضرب القاسي من التنسك إلى أن أغمي عليه وأصابته رهقة، حتى إذا أفاق من غشيته، فاجأ صحبه بفلسفة جديدة ترمي إلى ترك التقشف، والإقبال على الطعام مناديا بأن الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان لا يصل إليها إلا إذا شبع وكان صحيح البدن. وهنا هجره صحبه عائدين إلى بنارس، أما هو فقد مضى وحده متنقلا بين البلاد إلى أن جلس يأكل تحت شجيرة عند نهر، ولبث مطرقا مفكرا عامة الليل والنهار إلى أن استوى له من الترميق فلسفته في الحياة، فعاد إلى بنارس مستعيدا صحبه؛ متخذا معهم أكواخا في حديقة الملك دير في بنارس، وهناك أنشئوا ما يشبه المدرسة، التي أصبحت ملتقى الكثيرين من الباحثين عن الحكمة، وكان تعليم جواتيما يدور حول هذا السؤال: لماذا أنا غير مستكمل أسباب السعادة؟
أما ما يعنيه السؤال فهو أن النفس مصدر كل شيء، فإن الآلام مرجعها إلى شهوات الفرد، فإذا لم يقهرها كانت حياته شقاء ومصيره حزنا، وعند «جوتاما» أن شقاء الإنسان يرجع إلى ثلاثة: أولها حب الشهوات المختلفة والشراهة، وثانيها حب البقاء والأنانية، وثالثها حب النجاح الشخصي والدنيا والبخل. فمتى تم قهر النفس؛ أي تم القضاء على هذه النزغات، صفت الروح وحصل الإنسان على أسمى الخير.
ولا مراء في أن هذه الفلسفة تناقض الفلسفة اليونانية التي تتطلب من الإنسان أن ينظر وأن يتعرف الصواب في غير وجل، كما تناقض الفلسفة العبرية التي تأمر الإنسان بأن يخشى ربه وأن يفعل ما هو حق.
অজানা পৃষ্ঠা