وصف «حسام » العلاقات التي قامت بين ملوك الحبشة ومماليك مصر وبعض الخديوين، فقال: مما يدل على أن مقام مصر كان عظيما من 600 سنة أن جيرانها كانوا يخشون بأسها فيخطبون ودها. ومن هؤلاء الجيران مملكة الحبشة؛ فقد أرسل ملكها إلى سلطان مصر الناصر محمد بن قلاوون رسولا في سنة 712ه ومعه هدية قومت بمائة ألف دينار أو أكثر من ذلك، حتى عدت من النوادر.
وجاء رسل ملوك الحبشة أيضا في أيام الأشرف برسباي، ثم في أيام الظاهر جقمق، وكذلك في سنة 880ه في عهد الأشرف قايتباي، وقد شاء الرسل أن يجلسوا بحضرته على كراسي كانت معهم فلم يمكنهم النوب من ذلك، وعمل لهم السلطان موكبا بالحوش من غير شاش ولا قماش، ثم مضت مدة طويلة لم يحضر فيها أحد من رسل ملوك الحبشة حتى أيام السلطان الغوري. •••
وقد وصف ابن إياس في كتابه بدائع الزهور كيف حضر هؤلاء الرسل في أيام السلطان الغوري ومعهم الهدايا النفيسة والكتب التي تحوي الألفاظ الحسنة والنعوت العظيمة لسلطان مصر.
قال ابن إياس ما ملخصه:
وفي يوم الخميس 15 محرم سنة 923ه حضر قاصد من عند ملك الحبشة، فعمل له السلطان موكبا بالحوش من غير شاش ولا قماش - كما تقدم للأشرف قايتباي - وجلس السلطان على المصطبة التي أنشأها بالحوش، ونصب على رأسه السحابة الزركش، واصطفت الأمراء عن يمينه وشماله كل واحد منهم في منزلته، ثم طلع القاصد من الصليبة وصحبته: الأمير أزدمر المهمندار، وجماعة الرءوس النوب، ومن المماليك السلطانية ... وغير ذلك. وقد حضر مع القاصد ستمائة رجل منهم نحو خمسة من أعيان الأمراء، وكانت أوساطهم كلهم مشدودة بحوائص كهيئة الزنانير، وفيهم من هو عريان مكشوف الرأس وعلى رأسه شوشة شعر، وفيهم من في أذنه حلق قدر القرصة وفي أيديهم أساور ذهب.
وأما القاصد الكبير، فذكروا أنه كان ابن أمير كبير الحبشة، وقيل إن أباه هو الذي حضر في دولة الملك الأشرف قايتباي، وكان على رأسه خودة مخمل أحمر فيها صفائح ذهب وفيها بعض فصوص، وعلى رأس الخودة درة كبيرة مثمنة، وعليه شايات حرير ملون وعلى رءوسهم شدود حرير، وذكروا أن فيهم شخصا شريفا.
ولما شقوا من الصليبة كان معهم طبلان على جمل يضربون عليهما، وكان صحبتهم البطرك وعليه برنس حرير أروق، وقد ركب أعيانهم الخيول والباقون كانوا مشاة، فطلعوا القلعة من سلم المدرج وفي مقدمتهم البطرك، فلما وصلوا إلى باب الحوش أرادوا أن يجلسوا بحضرة السلطان على كراس حديد عالية كانت معهم، فلم تمكنهم رءوس النوب من ذلك كما حدث في أيام الملك الأشرف قايتباي.
ولما وصل هذا القاصد إلى الحوش قبل الأرض، فلما وصل إلى أوائل البساط قبل الأرض هو ومن معه من أعيان الحبشة، ولم يدخل معه بحضرة السلطان غير سبعة أنفس أما الباقون فلم يدخلوا، فلما قربوا من السلطان قبلوا الأرض بين يديه ثالث مرة، ثم قدموا كتاب ملك الحبشة، وقيل إنه كان في غلاف من الفضة وقيل من الذهب، فلما قرئ على السلطان وجد فيه ألفاظا حسنة ونعتا عظيما للسلطان، ومما جاء فيه:
وإن قصادنا أتوا إلى مصر ليزوروا القمامة التي بالقدس؛ فلا تمنعوهم من ذلك.
واستمر رجال الحبشة واقفين على أقدامهم نحو خمس درج حتى قرأوا كتابهم، ثم انصرفوا ونزلوا من القلعة، فرسم لهم السلطان أن يقيموا في ميدان المهارة الذي بالقرب من قناطر السباع إلى أن يسافروا، وأرسل لهم خياما ضربت لهم من داخل الخيام، ووكل بباب الميدان جماعة من المماليك يمنعون من يدخل إليهم من العوام، فلما نزلوا من القلعة نزل معهم الوالي والمهمندار وجماعة من رءوس النوب، فوصلوهم إلى الميدان خوفا عليهم من العوام أن يرجموهم، فكان لهم يوم مشهود؛ لأن قصاد ملوك الحبشة لا يدخلون مصر إلا قليلا تبعا لبعد بلادهم، حتى قيل إن هذا القاصد وصل مصر بعد سفر أمده تسعة أشهر.
অজানা পৃষ্ঠা