ويرى الكتاب أن الوقاية الحقة في بريطانيا تكلف الحكومة مبلغا يتراوح بين 1000 و1500 مليون جنيه، تنشأ به إلى جنب كل مدينة أماكن خاصة لها جدران عالية ويمكن إقفالها إقفالا محكما؛ بحيث يدخل فيها جميع السكان ويبقون إلى أن تنزاح الغازات. ولما كان هذا الاقتراح لا يمكن العمل به فإن الكتاب يشرح طرقا أخرى للوقاية يمكن الفرد والمجالس المحلية أن يقوموا بها، ولما كانت حرب الغازات هي «في بريطانيا» حربا جوية فلا بد من الوقاية من شيئين؛ هما: قنابل التدمير، وقنابل الغازات.
فقنابل التدمير تدمر المنزل وتصيب الطبقات العليا، وقنابل الغازات تصيب الطبقات السفلى لأن الغازات ثقيلة أثقل من الهواء، وهي لذلك تلبث أياما بل أسابيع، وأحيانا تنفجر القنبلة الغازية سائلا يتبخر غازات قاتلة، فتبقى مدة طويلة وهو يؤدي هذه المهمة الوبيلة، وأنت وحظك في إحدى الغزوات الجوية، فإذا كنت تخشى القنابل المدمرة فاسكن أسفل الطبقات وحتى البدروم، وإذا كنت تخشى الغازات فاسكن أعلاها.
ولذلك يكون الريف آمن مكانا من المدن في مثل هذه الأحوال، والأمن هنا نسبي وليس مطلقا.
ولكن الكتاب ينصح بأن يختار كل إنسان في منزله غرفة رحبة تكفي جميع الأسرة، ثم يهيئ لها النوافذ والأبواب بحيث لا يمكن أن ينفد منها الهواء، فإذا تفشى الغاز حوله أمكنه أن يسد جميع النوافذ ويبقى بالغرفة يوما أو أكثر حتى يتبدد الغاز ويزول الخطر. ويرى الكتاب أن الكمامات لن تكفي بأي حال جميع السكان، وهو يصرح بأن البذلة أو السترة الكاملة التي يمكن أن يلبسها الإنسان مرهقة كثيرة التكاليف.
والغازات ألوان وأنواع لا تحصى، وعند بعض الدول أسرار عنها لا تفشيها لأنها تريد أن تفاجئ بها الأعداء عندما تحين الفرصة، وبعض هذه الغازات إذا سال بعد الانفجار ولوث الشارع يجب أن ترفع عن الأرض الطبقة التي لوثها حتى لا تتبخر وتعود سائلا قاتلا.
ومع أن «اتفاق جنيف» الذي عقد بين الدول سنة 1925 يمنع استعمال الغازات السامة مدة الحرب، فإن كل دولة تعرف أن عدوها لن يتراجع عن استعمالها إذا خشي على كيانه من الهزيمة، وهي مضطرة لهذا السبب إلى أن تتخذ عدتها للدفاع. وطريقة الدفاع الوحيدة - كما قال المستر بولدوين - هي الهجوم؛ حتى يقتل النساء والأطفال في الأمة المهاجمة قبل أن تترك لطياريها الفرصة في قتل النساء والأطفال.
وبديهي أن حرب الغازات لن تقصر على المدن بل ستتناول الجيش أيضا، ولكنها ستوجه معظم قوتها إلى المدن لتفكك الأمة وإلقاء الرعب؛ حتى يصرخ السكان في طلب الصلح.
بحث آخر في الغازات الجوية
وقد بحث حضرة الدكتور عبد الخالق سليم عضو مجلس النواب سابقا في مسألة الغازات الجوية وإلقاء القنابل المحشوة بالغازات على المدن، فذكر أنه كانت المناطيد الضخمة المسماة «تسبلن» هي البادئة، وكانت تقوم بمهمتها الجهنمية بعد الغروب بساعات، ولما كانت الاحتياطات الكافية قد اتخذت لتجعل أنوار الشوارع والمنازل والمتاجر غير ظاهرة من الجو، فكان قادة تلك المناطيد يعتمدون على أي ضوء ينعكس إليها من نهر التيمس في الليالي الظلماء بواسطة النجوم أو من بريق الكهرباء فوق قضبان الترام كلما سارت العربات فوقها، وكانت هذه العوارض أهم مرشد للطائرات لتعرف مواقع المدينة بشيء من الدقة.
فكانت هذه المناطيد تتلمس طريقها فوق المدينة وتمطرها بما تحمل من تلك المهلكات.
অজানা পৃষ্ঠা