ولم يحصل أولئك المستضعفون من النساء والرجال على تلك المعاملة طوعا لأوامر دين من الأديان قبل الإسلام، ولا تلبية لسعيهم، أو خوفا من تمردهم وعصيانهم، ولم يكن أحد من أقوامهم يناصرهم أو يتقبل منهم شكايتهم. بل لم يكن من الأرقاء أنفسهم من يعتقد له حقا في شكواه، ويحسب أن الرق مظلمة أصابته بغير حقه. وقد أسلم بعض الأرقاء من العبيد والإماء فلم يزيدوا عددا في صدر الدعوة الإسلامية على أصابع اليدين، ولم يكن لهم صوت مسموع في شريعة الجاهلية، ولا في شريعة الإسلام؛ إذ كانت شريعة الإسلام مما يتعلمه المسلمون من النبي، ولم تكن مما يعلمونه إياه. فمهما يأت به من آية مطاعة من آيات البر بالنساء المستضعفات اللاتي لا سند لهن ولا عائل يرحمهن، فإنما هي آيته من الوحي السماوي تجري على نسق واحد من آياته كافة، في تشريع الحقوق وتعليم الفرائض والواجبات. •••
وارتفع الإسلام بأتباعه إلى منزلة من الإنصاف للرقيق والرفق به، لم تبلغها الإنسانية بآدابها وقوانينها ودساتيرها وأنظمتها بعد أكثر من ألف سنة، ولكن المسلمين مع هذا قصروا في عهود شتى عن الشأو الرفيع الذي دعاهم دينهم إليه، وأبيحت بينهم النخاسة التي حرمها الدين، ونسيت بينهم الوصايا التي ذكرهم بها الكتاب والسنة، واستبيحت فيهم حقوق الأحرار والعبيد على السواء. إلا أن الشريعة القرآنية المطهرة عملت بينهم عملها، ولم تذهب آثارها سدى في حملتها. ومن آثارها ما يثبت بالإحصاء والمقارنة، كما يؤخذ من المقابلة بين عدد الأرقاء وبين حالتهم في بلاد الحضارة الإسلامية، وبلاد الحضارة الأوروبية والأمريكية، بغير حاجة إلى شرح طويل.
فكل من بقي من الأرقاء في البلاد الإسلامية بعد ثلاثة عشر قرنا لا يزيدون على مليونين منهم أزواج وزوجات دخلوا في الأسر الحرة على سنة المساواة والمؤاخاة. ومما له دلالته في هذا الصدد أن ارتفاع المهانة عن المماليك في العالم الإسلامي مكنهم غير مرة من إقامة الدول، وارتقاء المناصب، وولاية الوزارة والقيادة، ومصاهرة البيوتات من أصحاب الملك والإمارة، ولو لم تفارقهم مسبة الرق التي لصقت بهم في كل بيئة غير البيئة الإسلامية، لما تمكنوا من الصعود في منازل الاجتماع إلى هذه القمة، ولا فارقوا قط منازل الموالي والعبيد.
وتنعقد المقابلة السريعة بين قسمة الرقيق في ظل الشريعة الإسلامية وقسمته في ظل الحضارة الغربية، فتسفر عن الفارق البعيد بينهما بالأرقام والحقائق والأوضاع.
فتجارة الرقيق خلال خمسين سنة جمعت في القارتين الأمريكيتين أمة كبيرة، تبلغ سلالتها اليوم ستة عشر مليونا في الشمال والجنوب، وأهدرت بينهم جميع الحقوق حتى حق الحياة إلى زمن قريب. فكان من المناظر المألوفة شنق الزنجي بغير سؤال ولا محاكمة على قارعة الطريق، وكان إنصافهم - بعرف القانون - خطوة متأخرة في القرن العشرين لم تنفسح لهم في الزمن الأخير إلا بعد المطالبة والمواثبة، وبعد الاقتدار على الطلب مشمولا بالتهديد، ومنه التهديد بالإضراب. •••
ونحن نكتب هذا الفصل وبين أيدينا المجلات الغربية نفسها، تروي لنا قصة سيد في إفريقيا الجنوبية، ذهب إلى المحكمة لأنه قتل زنجيا وعذبه بالنفخ المتواصل حتى انفجر جنباه، فكان عقابه من المحكمة غرامة مائتين وعشرة دولارات مقسطة على ستة شهور، ولاحظ القضاء - الإنساني - في هذه الرأفة أن السيد الأبيض يحتمي بحق العزلة بين الأجناس
Apaartheid
وحق الإشراف والوصاية
Baskap
فلم تر الصحيفة في رواية الخبر من حرج في كتابته بعنوان «حق التعذيب».
অজানা পৃষ্ঠা