ومسوغ هذا التفاوت أن الأخ مسئول عن نفقة أخته، وأن الابن يعول من لا عائل لها من أهله، وأن رب البيت عامة هو الزوج أو الأب أو الرشيد من الأبناء والإخوة ومن إليهم، وتقرير وجوب السعي على الرجل أولى وأصلح من تقريره على المرأة التي يظلمها من يساويها به في واجبات السعي على المعاش، مع نهوضها بواجب الأمومة والحضانة وتدبير المعيشة المنزلية.
ويتفاوت الرجل والمرأة في غير الميراث في بعض مسائل الحقوق التي تتصل بالسعي والمعاش، ومنها مسألة الشهادة على الديون والمواثيق:
واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [البقرة: 282].
والشهادة في جميع الأحوال - كما نص عليها القرآن الكريم - عمل يعالج فيه الشاهد أن يتغلب على دخائل الحب والبغض ويتجنب الميل مع هواه:
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا [النساء: 135].
يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [المائدة: 8].
والقضية في الشهادة هي قضية العدل وحماية الحق والمصلحة، ولها شروطها التي يلاحظ فيها المبدأ وضمان الحيطة على أساسه السليم. والمبدأ هنا - كما ينبغي أن تتحراه الشريعة - هو دفع الشبهة من جانب الهوى وما يوسوس به للنفس في أحوال المحبة والكراهة وعلاقات الأقربين والغرباء، وليس بالقاضي العادل من يعرض له هذا المبدأ، فيقضي بالمساواة بين الجنسين في الاستجابة لنوازع الحس، والانقياد لنوازع العاطفة، والاسترسال مع مغريات الشعور من رغبة ورهبة. فالمبدأ الذي ينبغي للقاضي العادل أن يرعاه هنا حرصا على حقوق الناس أن يعلم أن النساء لا يملكن من عواطفهن ما يملكه الرجال، وأنه يجلس للحكم ليحمي الحق، ويدفع الظلم، ويحتاط لذلك غاية ما في وسعه من حيطة؛ لأنه أمر لا يعنيه لشخصه، ولا يحل له أن يجعله سبيلا إلى تحية من تحايا الكياسة، أو مجاملة من مجاملات الأندية. وقديما كانت هذه التحايا والمجاملات تجري في ناحية من المجتمع، وتجري معها في سائر نواحيه ضروب من الظلم للمستضعفين والمستضعفات تقشعر لها الأبدان.
وعلى هذه السنة من تقرير المبادئ السليمة في شئون العدالة والمصلحة تجري شريعة القرآن الكريم؛ حيث تقتضي الحيطة لحماية البريء، وإنصاف المظلوم، وأن يزداد عدد الشهود من الرجال فلا يكتفي منهم بالشاهد والشاهدين، إمعانا في دفع الشك وتأويله - حيث وجد - لمصلحة المتهم، حتى تلزمه الإدانة بنجوة من الشكوك والشبهات.
ولقد يوجد من النساء من تقوم شهادة إحداهن بشهادة ألف رجل، ولقد يوجد من الرجال ألوف لا تقبل منهم شهادة، ولكن المشترع الذي يقول - لأجل ذلك: إن مزاج الرجل ومزاج المرأة سواء في الحس والعاطفة، يتقبل من مغالطة الواقع والضمير ما يبطل تشريعه وينحيه عن هذا المقام. •••
وليس من غرضنا في هذا الكلام على حقوق المرأة، أن نفصل الأعمال التي تجوز لها في المجتمع، فإنها - فيما نرى - لا تقبل الإحصاء، ولا تتشابه في المجتمعات، مع اختلاف الزمن وتباين الأحوال، وإنما نجتزئ في كلامنا هنا ببيان حكمة الاختلاف حيث وجد اختلاف الحقوق. فأما الأعمال المباحة للمرأة فهي الأعمال المباحة للرجل بغير تمييز، وكل ما تحاط به من حدود، أن تمضي على سواء الفطرة، فلا تخل بالقوامة الضرورية للمجتمع وللأسرة؛ إذ هي قوامة لا بد من تقريرها لأحد الجنسين، وليس من الطبيعي، ولا من المعقول أن يتساوى فيها الجنسان.
অজানা পৃষ্ঠা