وفي هذه الحالة لا ينتفع النوع بكل اتصال تتحقق به المتعة الجنسية، بل ينفعه الاتصال الذي تتم به الشخصيات وتتوافر فيه أتم صفات الرجال وأتم صفات النساء.
ثم تنشأ الآداب الاجتماعية وحقوق الأسرة وأمانة النسل، فإذا هي قد ألزمت الرجال والنساء آدابا من حقها أن تطاع، وأن يحسب لها أوفى حساب.
نعم إن هذه الآداب صناعية أو مبتدعة من أحكام البيئة التي خلقها الناس، ولكنها - كجميع الآداب والفروض - تستند إلى أساس فطري عريق في الطبيعة، وهو ضبط النفس، وقوة البنية على مقاومة النوازع والأهواء.
ونضرب لذلك مثلا صغيرا من المحرمات التي جاءت بها الآداب الدينية أو العرفية بعد ظهورها في المجتمعات الإنسانية، فإن تحريم القمار أو الخمر أو السرقة لم يعرف في آداب الناس إلا بعد ظهور هذه الآفات، ولكن ضبط النفس الذي يناط به الامتناع عنها، هو خلقة طبيعية لم تنشأ مع العرف أو الاصطلاح. فلا يزال الفرق بين إنسان يستطيع أن يمتنع عنها، وإنسان لا يستطيع الامتناع، فرقا في صميم التكوين الذي لا ينشئه العرف، ولا ينسب إلى الأوضاع الصناعية.
وكذلك الحواجز الجنسية التي يفرضها المجتمع، أو توجبها مصلحة الأسرة، هي حواجز لازمة، لا يقدح في أصالتها أنها حدثت بعد حدوث الحاجة إليها؛ لأن القدرة عليها فضيلة من فضائل التكوين الأصيل.
والرجل الذي يقدر عليها هو رجل ممتاز في خلقته الطبيعية كالمرأة التي تقدر عليها. وكلاهما زوج أصلح من غيره للبقاء وإنجاب الأبناء.
فأسخف السخف أن يظن بالحضارة المدنية أنها رخصة تبيح التهافت على المتعة ونسيان الحواجز الجنسية؛ لأن التهافت نقص في الخلقة قبل أن يكون نقصا في الآداب الاجتماعية، وهذا النقص معيب وخيم العقبى، وإن لم تحرمه الآداب.
وسيطول التبديل والتعديل في العرف والتشريع والشمائل المحبوبة بين الناس كلما تطاولت الأجيال، وسيقول كل ذي رأي قوله الذي يجوز فيه الجدال، ويبقى حكم واحد لا تبديل له، وقول واحد لا يجوز الجدال فيه، وهو أن الاحتجاز قوام أخلاق الأنوثة، وأن المرأة التي تنساه هي حيوان ناقص في تكوينه، وليس قصارى القول فيها إنها فرد مقصر في حقوق المجتمع والأسرة. وإن مساك الأخلاق جميعا - ما أوجبته الفطرة وما أوجبه المجتمع - هو ضبط النفس، والترفع عن مطاوعة كل عارضة من عوارض الأهواء.
وقد سبقت في هذا الكتاب «المرأة في القرآن الكريم» نبذة عن التناقض بين المرأة الطبيعية والمرأة الاجتماعية، وهو بحث له استطراد يناسبه في الكلام على تناقض المرأة من كتاب «هذه الشجرة» ختمناه بما يلي:
هي أبدا بين نقيضين في أمومتها وفي حبها، وذلك هو التناقض الذي لا حيلة لها فيه، ولا يفجأ الرجال منها إلا كما يفجؤها هي على غير ما تنتظر، وعلى غير ما يقع لها في تدبير.
অজানা পৃষ্ঠা