فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم [يوسف: 28].
والكيد صفة مذكورة في مواضع كثيرة من القرآن، بعضها منسوب إلى الإنسان، وبعضها منسوب إلى الشيطان، ومن الرجال الذين نسبت إليهم صالحون مؤمنون، ومنهم كفرة مفسدون، بل وردت وصفا لله سبحانه وتعالى مع المقابلة بين الكيد الإلهي وكيد المخلوقات، وبغير مقابلة في آيات.
ويدخل في الكيد صفات كثيرة تمدح وتذم، وتطلب وتمنع، تشترك كلها في معاني التدبير والمعالجة والحيلة، وقد يجمع الحميد والذميم منها قولهم: «الحرب مكيدة»؛ لأنها تدبير ومعالجة وحيلة تتطلبها مواقف القتال، وقد تذم أحيانا في هذه المواقف، كما تذم في سواها.
وقد جاء وصف الكيد في سورة يوسف نفسها منسوبا إلى إخوة يوسف إذ جاء فيها على لسان يعقوب عليه السلام:
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين [يوسف: 5].
وجاء منسوبا إلى الله تعالى بمعنى التدبير:
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله [يوسف: 76].
أما الكيد الذي وصفت به امرأة العزيز وصاحباتها، فهو كيد يعهد في المرأة ولا ينسب إلى غيرها، أو هو كيدهن الذي يتسمن به ويصدر عن خلائقهن وطبائعهن، كما يفهم من الإضافة المتكررة في الآيات الثلاث، ويدل عليه عمل امرأة العزيز فيما غشت به زوجها، واحتالت له من مراودة غلامها عن نفسه، ثم من اتهامه بمراودتها وتنصلها من فعلها.
وكلها أعمال تتلخص في «الرياء» أو في إظهارها غير ما تبطنه واحتيالها للدس والإخفاء. •••
والرياء صفة عامة تشاهد في كثير من المستضعفين من الرجال والنساء، وأسبابه الاجتماعية تحدث لكل ضعيف يقهره غيره، فلا يخص المرأة دون الرجل، ولا ينحصر بين فئة من الناس دون فئة، وقد يحدث للحيوان الضعيف ويلجئه إلى المراوغة والملق، وهو لا يتكلف لذلك كما يتكلف الإنسان الذي يفكر فيما يعمل وفيما يقصد إليه.
অজানা পৃষ্ঠা