জাহিলিয়াতে নারী

হাবিব জায়াত d. 1373 AH
25

জাহিলিয়াতে নারী

المرأة في الجاهلية

জনগুলি

ومما شاركت الرجل فيه أيضا، وساوته به إذا لم أقل أبرت عليه في بعض أقسامه؛ قول الشعر؛ فإنه كان أيسر فضائلها وأهون شيء عليها ترسل الكلام فيه إرسالا، فيأتي محكما صادق الوصف، مستوليا على أقصى آماد الفصاحة، قد جمع بين مثل رشاقة قدها وسحر مقلتها، وأخذ من صحة آدابها بأجزل قسم، ومن رقة فؤادها بأوفى نصيب، ولذلك كانت أكثر ما تجيد في المراثي خاصة، كما يرى في شعر الخنساء في أخويها صخر ومعاوية، ولهذه السجية المطبوعة على النظم كان لا يخلو منه قول لها جدا كان أم هزلا، فإذا أنامت غلامها، أو أرقصت فتاتها، أو فاخرت جارتها، أو مدحت قوعها، أو بكت فقيدها؛ ذكرت ذلك كله بمنظوم، ربما كان الغالب عليه الرجز، وقد كان العرب يعرفون لها هذه المنزلة في الشعر. حتى إن النابغة الذبياني - وكان يجلس لشعراء العرب في عكاظ على كرسي ينشدونه فيفضل من يرى تفضيله - لما أنشدته الخنساء في بعض المواسم أعجب بشعرها، وقال لها: لولا أن هذا الأعمى أنشدني قبلك، يعني الأعشى، لفضلتك على شعراء هذا الموسم. وقد نقل التاريخ فيما عداها أسماء شواعر كثيرات ممن حفظ الرواة شعرهن، تضمن منه الجزء الأول وحده من ديوان رياض الأدب المطبوع في المطبعة الكاثوليكية في بيروت شعر نحو إحدى وستين شاعرة في الرثاء فقط، فليطالعه من يشاء، وكفى دليلا على رفعة مكانة المرأة في الفصاحة وجلالة قدرها في النظم أن أبا تمام، ومعلوم من هو، لما ألف كتابه المشهور بالحماسة، الذي انتقاه من أجود شعر العرب، لم يجد بدا من تضمينه أقوال كثيرات من النساء الشواعر، بل أن امرأ القيس نفسه لما اختلف هو وعلقمة الفحل في أيهما أشعر، لم يجد من يحاكمه إليه إلا امرأة كان قد تزوجها من قبيلة طيء، فأنشدها شعرا وأنشدها علقمة شعرا، فحكمت لعلقمة عليه لبيت وصف فيه امرؤ القيس فرسا فقصر، وحسبي بهذا الشاهد فلا أتخطاه إلى غيره لتعريفه بالقدرة الراجحة التي كانت للمرأة على قرض الشعر أو نقده، حتى كان يتقاضى إليها فيه فحول الشعراء من الرجال.

ولا ريب أن الفرزدق نفسه لو كان قد أدركها في الجاهلية وسئل عنها لما اجترأ أن يجيب بمثل ما أجاب به حين قيل له أن فلانة تقول الشعر فقال: «إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح!» فإن هذه الدجاجة التي لم تكن تصلح عنده إلا للذبح، كانت هي نفسها تصلح أحيانا للديك صياحه، كما نقل عن جواري المدينة أنهن أصلحن للنابغة الذبياني ثلاثة أبيات من شعره كان قد أقوى فيها. قال المرزباني في الموشح: فقدم المدينة فعيب عليه ذلك، وأسمعوه إياه في غناء، وأهل القرى ألطف من أهل البدو، وكانوا يكتبون جواريهم عند أهل الكتاب، وفي هذا القول شاهد آخر جاء اتفاقا من غير عمد على أن بعض النساء في الجاهلية كن أيضا يحسن الكتابة والقراءة فضلا عما سبق من فضائلهن، وهذا - ولا جرم - من أغرب ما تمتدح به الأنثى في تلك الأعصار، ومن أفضل ما تعرف به حياتها الأدبية في تلك الأقطار، وليكن آخر ما أذكره من أوصافها وقوفا عند الحد الذي رسمته لنفسي في هذا المختصر، ولو أردت أن أستقصي وأبلغ الغاية في الوصف للزمني مجلد كامل؛ إذ كان لا يكشف الكشف الوافي عن هذا البحث إلا سرد القصص والروايات، وهي ما يضيق عنها المقام.

ولا محالة أن الناظر في هذه النبذة اليسيرة المتصف بالنزاهة والتجرد عن الهوى؛ يقف وقفة الدهش والاستغراب عندما يتأمل رفعة المنزلة التي بلغتها المرأة في الجاهلية، ويرى أنها قد خلقت فيها لغير قضاء الشهوة وخدمة اللذة، وبالتالي أنها لم تكن لعبة الرجل ولا نعلا له يلبسها متى شاء، كما ذكر فيها بعض واصفيها من المخضرمين. ومع ذلك فقد وجدت كثيرين يبخسونها حقها، أو يساوون بينها وبين غيرها من الإناث، ويجمعونهما تحت حكم واحد جهلا لا محالة بالصحيح وقياسا لإحداهما على الأخرى، وقد ذكرت في الأولى منهما ما وسعني ذكره مما يظهر به الفرق بين المرأتين ويتضح الحق لذي عينين.

فإياك واسم العامرية إنني

أغار عليها من فم المتكلم

অজানা পৃষ্ঠা