والكم أيضا لا مضاد له أصلا. فأما فى المنفصلة فظاهر أنه ليس له مضاد أصلا، كأنك قلت لذى الذراعين أو لذى الثلاث الأذرع أو للسطح، أو لشىء مما أشبه ذلك، فإنه ليس لها ضد أصلا إلا أن يقول قائل: إن الكثير مضاد للقليل، أو الكبير للصغير، وليس شىء من هذه ألبتة كما، لكنها من المضاف. — وذلك أنه ليس يقال فى شىء من الأشياء ألبتة بنفسه إنه كبير أو صغير، بل بقياسه إلى غيره. مثال ذلك أن الجبل قد يوصف صغيرا، أو السمسمة كبيرة بأن هذه أكبر مما هو من جنسها، وذاك أصغر مما هو من جنسه؛ فيكون القياس إنما هو إلى شىء غيره، فإنه لو وصف شىء صغيرا أو كبيرا بنفسه لما وصف فى حال من الأحوال صغيرا أو السمسمة كبيرة. وأيضا قد نقول إن فى القرية أناسا كثيرا وفى مدينة أثينية أناسا قليلا على أنهم أضعاف هؤلئك، فنقول إن فى البيت أناسا كثيرا وفى الملعب أناسا قليلا على أنهم أكثر منهم كثيرا. وأيضا ذو الذراعين وذو الثلاث الأذرع وكل واحد مما أشبههما يدل على كم. فأما الكبير والصغير فليس يدلان على كم، بل على مضاف، فإن الكبير والصغير إنما يعقلان بالقياس إلى شىء آخر، فيكون من البين أن هذين من المضاف. وأيضا إن وضعت أنهما كم، أو وضعت أنهما ليس〈ا〉 بكم، فليس لهما مضاد ألبتة، وذلك أن الشىء الذى لا يمكن أخذه بنفسه، وإنما يمكن أخذه بقياسه إلى غيره، كيف يمكن أن يكون لهذا مضاد! وأيضا إن يكن الكبير والصغير متضادين وجد الشىء بعينه قابلا للمتضادات معا، وأن كل واحد منهما أيضا مضاد لذاته، لأن الشىء بعينه قد يوجد كبيرا وصغيرا حتى معا، إذ كان عند هذا صغيرا، وهو بعينه عند غيره كبير، فيكون فد يوجد الشىء بعينه كبيرا وصغيرا فى زمان بعينه، 〈وإذن〉 يكون قد يقبل الضدين معا، لأنه من المتفق عليه أنه ليس يمكن أن يقبل شىء واحد الضدين معا، مثال ذلك فى الجوهر: فإن الجوهر من المتفق عليه أنه قابل المتضادات، إلا أنه لن يصح ويسقم معا، ولا يكون أبيض وأسود معا، ولا شىء من سائر الأشياء ألبتة يقبل الضدين معا. ويوجد أيضا 〈حينئذ〉 كل واحد منهما مضادا لذاته. وذلك أنه إن كان الكبير مضادا للصغير، وكان الشىء الواحد بعينه كبيرا وصغيرا معا، فالشىء يكون مضادا لذاته. فليس الكبير إذا مضادا للصغير، ولا الكثير للقليل. فتكون هذه — وإن قال الإنسان إنها ليست من المضاف، بل من الكم — ليس فيها مضاد.
وأكثر ما ظنت المضادة فى الكم موجودة فى المكان، لأن المكان الأعلى يضعون أنه مضاد للمكان الأسفل، ويعبرون بالمكان الأسفل المكان الذى يلقى الوسط. وإنما ذهبوا إلى ذلك لأن البعد بين الوسط وبين أطراف العالم أبعد البعد. ويشبه أن يكونوا إنما اجتلبوا الحد لسائر المتضادات من هذه، لأنهم إنما يحدون المتضادات بأنها التى بعدها بعضها من بعض غاية البعد ويجمعها جنس واحد.
وليس بمظنون بالكم أنه قابل الأكثر والأقل، مثال ذلك: ذو الذراعين، فإنه ليس هذا ذا ذراعين بأكثر من هذا. وكذلك فى العدد، مثال ذلك: الثلاثة والخمسة، فإنه ليس يقال إن هذه خمسة بأكثر مما هذه ثلاثة، أو إن هذه ثلاثة بأكثر مما هذه ثلاثة. ولا يقال أيضا فى زمان إنه زمان بأكثر من غيره، ولا يقال بالجملة فى شىء مما ذكر الأكثر ولا الأقل، فيكون إذا الكم غير قابل الأكثر والأقل.
পৃষ্ঠা ২০