وأوضحت للملأ المتغافل خبثه ولؤمه ، وأنه لن يرحض عنه عارها وشنارها ، كما أنها أدهشت العقول وحيرت الفكر في خطبتها بكناسة الكوفة ، والناس يومئذ حيارى يبكون ، لا يدرون ما يصنعون ، وأنى يرحض عنهم العار بقتلهم سليل النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة؟ وقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وباؤوا بغضب من الله وخزي في الآخرة ، ولعذاب الله أكبر لو كانوا يعلمون.
وبعد أن فرغت من خطابها اندفعت فاطمة ابنة الحسين (ع) بالقول الجزل ، مع ثبات جأش وهدوء بال ، فكان خطابها كوخز السنان في القلوب ، ولم يتمالك الناس دون أن ارتفعت أصواتهم بالبكاء ، وعرفوا عظيم الجناية والشقاء ، فقالوا لها : حسبك يا ابنة الطاهرين ، فقد احرقت قلوبنا وانضجعت نحورنا.
وما سكتت حتى ابتدرت ام كلثوم ، زينب بنت علي بن أبي طالب (ع)، فعرفت الحاضرين عظيم ما اقترفوه ، فولول الجمع وكثر الصراخ ، ولم ير إذ ذاك أكثر باك وباكية (1).
فهل يا ترى يمكنك الجزم بأن أحدا يستطيع في ذلك الموقف الرهيب ، الذي تحفه سيوف الجور أن يتكلم بكلمة واحدة مهما بلغ من المنعة في عشيرته؟ وهل يقدر أحد أن يعلن بموبقات ابن هند وابن مرجانة غير بنات أمير المؤمنين (ع)؟ كلا.
إن على الألسن أوكية ، والأيدي مغلولة ، والقلوب مشفقة.
على أن هذا ، إنما يقبح ويستهجن إذا لم يترتب عليه إلا فوائد دنيوية مثارها رغبات النفس الأمارة ، وأما إذا ترتبت عليه فوائد دينية ، أهمها : تنزيه دين الرسول (ص) عما ألصقوه بساحته من الباطل ، فلا قبح فيه عقلا ، ولا يستهجنه العرف ، ويساعد عليه الشرع.
والمرأة ، وإن وضع الله عنها الجهاد ومكافحة الأعداء ، وأمرها سبحانه وتعالى أن تقر في بيتها ؛ فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال. وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ؛ بحيث لولا قيامها لدرست اسس الشريعة ، وذهبت
পৃষ্ঠা ১১৭