غير أن البصير الناقد لا تخفى عليه نفسية القوم ، ولا ما جاؤوا به.
وأعجب من ذلك ، قول زجر بن قيس الجعفي ليزيد : إنا أحطنا بهم ، وهم يلوذون عنا بالآكام والحفر ، لواذ الحمام من الصقر!! (1).
بفيك الكثكث أيها القائل ، كأنك لم تشاهد ذلك الموقف الرهيب ، فترى ما للقوم من بسالة وإقدام ، ومفاداة دون الدين الحنيف حتى أغفل يومهم مع ابن المصطفى أيام صفين وما شاكلها من حروب دامية ، وحتى أخذت أندية الكوفة لا تتحدث إلا بشجاعتهم.
أجل ، إن تلك الأحوال أدهشتك فلم تدر ما تقول! أو أن الشقة بعدت عليك فنسيت ما كان. ولكن هل غاب عن سمعك صراخ الأيتام ، وعويل الأيامى في دور الكوفة حتى طبق أرجاءها من جراء ما أوقعه أولئك الصفوة بأعداء الله وأعداء رسوله بسيوفهم الماضية؟!. والعذر لك إنك أدركت ساعة العافية ، فطفقت تشوه مقامهم المشكور ؛ طلبا لمرضاة (يزيد الخمور).
ولقد صرح عن صدق نياتهم عدوهم الألد ، عمرو بن الحجاج ، محرضا قومه : أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر ، وقوما مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم. والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم (2).
وقيل لرجل شهد الطف مع ابن سعد : ويحك أقتلتم ذرية الرسول؟! فقال : عضضت بالجندل ، إنك لو شهدت ما شهدنا ؛ لفعلت ما فعلنا. ثارت علينا عصابة ، أيديها على مقابض سيوفها كالاسود الضارية ، تحطم الفرسان يمينا وشمالا ، تلقي نفسها على الموت ، لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال ، ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك. فلو كففنا عنها رويدا ؛ لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا فاعلين لا ام لك؟! (3).
وشهد لهم بذلك كعب بن جابر ، فانه لما قتل بريرا ؛ عتبت عليه زوجته
পৃষ্ঠা ৬৯