كما في أمر الحسين (ع) يوم وقف ذلك الموقف المدهش ، فتلا على الملأ صحيفة بيضاء رتلتها الحقب والأعوام.
فلقد عرف صلوات الله عليه بنهضته المقدسة الامم الحاضرة والمتعاقبة أعمال الامويين ، ومن سن لهم خرق نواميس الشريعة والتعدي على قداسة قوانينها ، وقد استفادت الامم من إقدام أبي الضيم (ع) على الموت ، وبذله كل ما لديه من جاه وحرمات في سبيل تأييد الدعوة المحمدية دروسا عالية ، وعرفوا كيفية الثبات على المبدأ ، وأنه يستهان في تحرير النفوس عن الجور ، وانقاذها من مخالب الظلم كل غال ورخيص.
وإذا كان محمد بن الحسن الشيباني ينفي البأس عن رجل يحمل على الألف ، مع فقد احتمال النجاة أو النكاية بالعدو ، ولا يكون هذا الإقدام منه إلقاء بالتهلكة ؛ لأن فيه نفع المسلمين ، وتقوية عزائمهم ، وبعث روح النشاط للدفاع عن المبدأ والموت تحت راية العز (1)، فأبو عبد الله الحسين (ع) يفضل كل أحد. فإنه بإقدامه على أولئك الجمع المغمور بالاضاليل وإن أزهق نفسه المقدسة ونفوس الأزكياء من أهل بيته وصحبه ، وعرض حرم رسول الله (ص) للسلب والأسر ، إلا أنه سجل أسطرا نورية على جبهة الدهر في أحقية نهضته ، وبطلان تمويهات عدوه الحائد عن سنن الحق المتمرد في الطغيان ، فهو الفاتح المنصور ، وإن المتجهر عليه راسب في بحر الضلال ، هاتك لحرمات الله تعالى ، متعد على نظم الإسلام التي قررها صاحب الدعوة الإلهية.
وإني لأعجب ممن يذهب إلى أن الحسين (ع) كان يظن موافقة الكوفيين له وقد تخلف ظنه! ، فإنا لو تنزلنا وقلنا : بأن الحسين (ع) لم يكن عنده العلم العام لما كان ويكون وما هو كائن ، ولكن أين يذهب عنه العلم بما يقع من الحوادث بواسطة إخبار جده وأبيه الوصي ، بأنه مقتول بأرض كربلاء ، ممنوع من الورود ومعه ذووه وصحبه قضاء محتوما؟. أليس هو الذي أعلم ام سلمة بقتله حين أبدت له خوفها من سفره هذا ؛ لأن الصادق المصدق الذي لا ينطق عن الهوى (ص) أعلمها
পৃষ্ঠা ৬৪