والسكوت عما يفعله أئمة الضلال ، ومشاهدتهم تمادي الامة في الطغيان ، وإقدامهم على ما فيه استئصال حياتهم القدسية ؛ طاعة لأوامر المولى الخاصة بهم ، وانقيادا لتكليفه بلا إلجاء من الله لهم في شيء من ذلك ، وإنما هم مختارون فيه ، كاختيار غيرهم في جميع التكاليف.
د التسليم للقضاء المحتوم والأجل المبرم ، وعدم التوسل إلى الباري تعالى في إزاحة العلة ؛ لينالوا بالشهادة التي هي أشرف الموت الدرجات الرفيعة ، والمنازل العالية التي لا تحصل إلا بهذا النوع من إزهاق النفس.
وفي نفس هذه العلة أجاب أبو الحسن الرضا (ع) من سأله عن جواز تعريض أمير المؤمنين (ع) نفسه للقتل ، مع علمه بالساعة والقاتل ، فقال (عليه السلام): «لقد كان كل ذلك ، ولكنه خير تلك الليلة ؛ لتمضي المقادير» (1)، فدلنا هذا وأمثاله على أن إقدام أهل البيت (عليهم السلام) على ما فيه التهلكة ، إنما هو من باب الطاعة ، وامتثال التكليف الموجه إليهم خاصة ، فلا يتطرق إلى ساحة علمهم نقص. ولا أن إقدامهم على ما فيه الهلكة مما يأباه العقل. وإليه ذهب المحققون من أعلام الإمامية.
فيقول الشيخ المفيد في جواب المسائل العكبرية : لسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث على التفصيل والتمييز ، ويكون بإعلام الله تعالى. كما لا نمنع أن يتعبد الله أمير المؤمنين بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ؛ فيبلغه بذلك علو الدرجة ما لا يبلغه إلا به ، فيطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها. ولا يكون أمير المؤمنين ملقيا بيده إلى التهلكة ، ولا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول ، ولا يلزم فيه ما يظنه المعترضون. كما لا نمنع أن يكون الحسين (ع) عالما بموضع الماء وأنه قريب منه بقدر ذراع ، فلو حفر لنبع له الماء. فامتناعه من الحفر لا يكون فيه إعانة على نفسه ؛ بعد أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء حيث يكون ممنوعا منه ، ولا يستبعد العقل ذلك ولا يقبحه. وكذلك في علم الحسن (ع) بعاقبة موادعة معاوية ، فقد جاء الخبر بعلمه به ، وكان شاهد الحال يقضي به ، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه إلى معاوية ؛ وكان في ذلك لطف في بقائه إلى
পৃষ্ঠা ৬২