من أمره بتناول السم ، وكان السر في هذا الإختلاف في التكليف ما يراه المولى سبحانه من المصالح ، حسب الوقت والزمان.
فلم يكن إقدامهم على القتل ، وتناول السم جهلا منهم بما صنعه سلطان الجور وقدمه إليهم ، بل هم على يقين من ذلك ، فلم يفتهم العلم بالقاتل ، وما يقتلون به ، واليوم والساعة ؛ طاعة منهم لامر بارئهم تعالى ، وانقيادا للحكم الإلهي الخاص بهم. وليسوا في هذا الحال إلا كحالهم في أمتثال جميع أوامر المولى سبحانه وتعالى ، الموجهة إليهم من واجبات ومستحبات ، والعقل حاكم بلزوم انقياد العبيد لأوامر المولى ، والإنزجار عن نهيه من دون إلزام بمعرفة المصلحة ، أو المفسدة الباعثة على الحكم. وأما إذا كان المولى حكيما في أفعاله ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )، فبالأحرى يكون الخضوع له من دون فحص عن أسباب أحكامه.
والى هذا الذي ارتأيناه ، نظر المحققون من العلماء الاعلام ، وإن خبط الباحثون في قضية إقدام أهل البيت (ع) على ما فيه من إزهاق نفوسهم المقدسة ؛ فأخذوا ذات اليمين والشمال ، فلم يأتوا بما فيه نجعة المرتاد ، ولا نهلة الصادي ؛ لكونها تخيلات لا تتفق مع القواعد والطريقة المثلى.
لقد دلت الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة (ع) على أنهم إذا عرفوا من أعدائهم العزم على الفتك بهم ، أو اشتد عليهم ألم القيود ، ووضح لديهم تأخر القضاء ، عملوا كل وسيلة من دعاء غير مردود ، أو شكوى إلى جدهم النبي (ص)؛ ليدفع عنهم هذه الأضرار والحوادث. فيقول أبو جعفر الباقر (ع): «نحن أهل بيت ، إذا أكربنا أمر ، وتخوفنا من شر السلطان ، قلنا : يا كائنا قبل كل شيء ، ويا ملكوت كل شيء ، صل على محمد وأهل بيته وافعل بي كذا وكذا» (1).
ولما احتدم المنصور على أبي عبد الله الصادق (ع)، وعزم على الفتك به ، دعا ربه تعالى أن يفرج عنه ؛ فانجلت بسببه غمائم الفتك به حتى إذا وقع نظره على الصادق (ع)، قام إليه فرحا مستبشرا وعانقه. وكان المنصور يحدث بعد ذلك عن سبب نقض عزمه : إن رسول الله (ص) تمثل له باسطا كفيه ، حاسرا عن ذراعيه ، وقد
পৃষ্ঠা ৫৭