من حفظها. وأما إذا وجدت هنالك مصلحة تكافئ تعريض النفس للهلاك كما في الجهاد ، والدفاع عن النفس مع العلم بتسرب القتل إلى شرذمة من المجاهدين ، وقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما ، موطنين أنفسهم على القتل ، وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ، ولم يبارح قوله دعوته حتى أزهقت نفسه الطاهرة. وقد تعبد الله طائفة من بني اسرائيل بقتل أنفسهم ، فقال جل شأنه : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) (1)، على أن الاقتصار على ما يقتضيه السياق يخرج الآية عما نحن فيه من ورودها للتحذير عما فيه الهلكة ، فإنها أعقبت آية الاعتداء في الأشهر الحرم على المسلمين. قال الله تعالى ( الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ).
فيكون النهي عن الإلقاء في التهلكة خاصا بما إذا اعتدى المشركون على المسلمين في الأشهر الحرم ، ولم تكن للمسلمين قوة على مقاتلتهم. والألتزام بعموم النهي لكل ما فيه هلكة ، لا يجعل حرمة إيراد النفس مورد الهلكة من المستقلات العقلية التي لا تقبل التخصيص ، بل هي من الأحكام المختصة بما إذا لم توجد مصلحة أقوى من مفسدة الإقدام على التلف ، ومع وجود المصلحة اللازمة لا يتأتى الحكم بالحرمة أصلا ، كما في الدفاع عن بيضة الإسلام.
وقد أثنى سبحانه وتعالى على المؤمنين في إقدامهم على القتل ، والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )، وقال تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )، وقال
পৃষ্ঠা ৫৫