فاز من في عمره كد كد أراد علي بن الحسين أن يلبي على الراحلة ، فسقط من الخوف بين القافلة ، فلما أفاق ، قال للرفاق : أخشى أن أقول لبيك ، فيقول : لا لبيك ولا سعديك ، مع أنه زين العابدين ، وريحانة المتهجدين ، لكن القوم عرفوا ربهم ، فبكوا ذنبهم ، وجمعوا خوفهم وحبهم ، فيا صاحب العين التي لا تدمع ، والنفس التي لا تشبع ، والقلب الذي لا يخشع ، إلى متى تؤجل التوبة ، أما لك أوبة :
فيا دمع هذي ليلة البين أقبلت
فهات غروبا تبرد الزفرات
ويا قلب قد عاهدتني فكذبتني
كأنك لا تجزع من الغدرات
العمر قصير ، والشيب نذير ، والدار جنة أو سعير ، نراك تضحك كأنك أتاك أمان، من الملك الديان ، ما لك لا تحزن، هل عبرت الصراط حتى تأمن، الندم على ما فرطت أحسن ، يا مسكين : إبراهيم الخليل ، وهو النبي الجليل، بكى ذنبه ، ودعا ربه، وقال : { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } ، فكيف بنا نحن المذنبين ، خلقك فسواك ، وأطعمك وسقاك، وآواك وكساك ، ومن كل بلاء حسن أبلاك، ثم تعصيه وهو يراك :
نسجت لنا الأكفان من أعمارنا
ونظل نضحك ما لنا تفكير
أو ما ذكرت القبر أول ليلة
يلقاك فيه منكر ونكير
أحسن ماء دموع التائبين ، أعظم حزن حزن المنيبين ، وأهنأ نعاس نعاس المتهجدين، أجمل لباس لباس المحرمين ، ما ألذ جوع الصائمين ، ما أسعد تعب القائمين ، ما أكرم بذل المتصدقين ، أين المباني والمغاني ، أين الغواني والأغاني ، أين الأفراح والتهاني ، أين من شاد وساد ، أين ثمود وعاد ، أين ساسان ، وقحطان ، وعدنان ، وفرعون وهامان ، أين ملك سليمان ، أين أصحاب الأكاليل والتيجان ، { كل من عليها فان (26) ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ، والطول والإنعام .
পৃষ্ঠা ৮৪