رقها أو لا فيكفيني الخجل ثم إن هناك مصلحة لي في هذا الزهد ، وهو السلامة من الجهد ، يوم تنصب الموازين وتكشف البراهين ، فلن أقف طويلا للقضاء ، كما يقف الأغنياء ، وكفاك بهذا حسنة ، لحديث (( يدخل فقراء أمتي الجنة ، قبل الأغنياء بخمسمائة سنة )) ، فياله من مكسب رابح ، ومن ميزان راجح ، وما عندي مال في البنوك الربوية ، ولا مساهمات عقارية ، ولا شركات استثمارية ، بل عندي أغلى ، وأعلى ، لأن البر لا يبلى . فإذا كنز الناس الدرهم والدينار ، كنزت الأذكار ، وعمل الأبرار ، وأنا أخذت بغض الدرهم ، من إبراهيم بن أدهم ، والزهد في الدينار ، من مالك بن دينار ، والورع عن العطاء ، من ابن أبي رباح بن عطاء ، وأخذت قلة الرغبة من الدنيا ، من ابن أبي الدنيا ، وقد رأيت القبور ، فإذا المعظم بجانب المحتقر ، قد اجتمع بها المخبر ، والخبر ، وتغيرت بها تلك الصور ، فالملك في جوار المملوك ، والغني في حفرة الصعلوك ، والقوي مع الضعيف ، والوضيع مع الشريف فبعد هذا المشهد ، أقسمت أن أزهد ، فلزمت المصحف والمسجد ، أتعبد وأتهجد ، وعلى المقابر أتردد ، فعوضني ربي بالهم سرورا ، وبالحزن حبورا ، وبظلمة الدنيا نورا ، وقد هيأت حنوطي وأكفاني ، وكفاني القليل كفاني .
وهذا والله عين العقل ، وموافقة النقل ، ونهج الصالحين من بعد ومن قبل ، فمال للقوم كأنهم في نوم ، صرعتهم الشهوات ، وزلزلتهم الشبهات ، أحبوا التراب والخراب ، والثياب والشراب ، وزهدوا في الكتاب والثواب ، ونسوا الحساب والعقاب ، أنساهم القرش النعش ، في التهام وهرش ، ما تهزهم الرقائق ، ولا تردعهم الحقائق ، كلامهم في الأسعار والعمار والعقار ، وحديثهم عن الدرهم والدينار ، ما يذكرون الجنة ولا النار .
الجلوس معهم يميت القلب ، ويضاعف الذنب ، لكن الأعمى لا يرى الصباح ، والميت لا يحس بالجراح . ولكن الصخر لا يسمع الكلام ، وما لجرح بميت إيلام .
পৃষ্ঠা ৯৫