٦ فهذا الطريق بأسره من القسمة يجرى بحسب حالات الأبدان ولصناعة الطب صنف آخر من القسمة يجرى بحسب أصناف الأعمال فى صناعة الطب وذلك متى قالوا أن أجزاء صناعة الطب الأول التى هى فى غاية العظم هى العلاج باليد واستعمال الأدوية والتدبير وقد يظن بعض الناس أنه قد يمكن أن يجرى هذا الطريق من القسمة بحسب مادة الأسباب وذلك أن جميع ما من شأنه أن تجلب على البدن المرض أو يفيده الصحة إنما يبتدئ إما من التدبير وإما من الأدوية وإما من العلاج باليد لكن الأولى أن يقال فى ذلك أن جميع ما من شأنه أن يفعل ذلك فى البدن إنما هو من الأشياء التى تتناول فترد البدن والأشياء التى تفعل بالبدن والأشياء التى تستفرغ من البدن والأشياء التى تلقاه من خارج فيكون القائل لذلك قد قسم مادة الأسباب وأنا أختصر القول فى ذلك فأجمله فأقول ان قوما جعلوا قسمة جملة الطب إلى أجزائه الملائمة من الحالات التى من شأن صناعة الطب إصلاحها وشفاؤها وحفظها فحكموا بأن عدد أجزاء هذه الصناعة كعدد أصناف حالات البدن وقوما لم يقتصروا على أن جعلوا قسمة الطب إلى أجزائه من هذه فقط لكن من المادة بأسرها التى عند الطبيب معرفتها فأضافوا إلى الأجزاء التى ذكرناها جزء الكلام الطبيعى وجزء الكلام فى الأسباب والجزء الذى يخص بأن يسمى الموادى فعدوها معها وقوما قسموا أجزاء الطب من أفعالها كلها واضافوا إلى التدبير واستعمال الأدوية والعلاج باليد استخراج الدلائل أيضا وقوما قسموا استخراج الدلائل إلى صور العلل وإلى تقدمة المعرفة فأضافوا هذين إلى الأجزاء الثلاثة التى تقدم ذكرها وأما أكثر أصحاب التجربة كما قلت فإنهم لما أن قالوا ان الأجزاء المتممة هى استخراج الدلائل والشفاء والجزء الذى يسمى حفظ الصحة جعلوا أجزاء الشفاء فى قسمتهم له التدبير والعلاج باليد واستعمال الأدوية فأخطؤوا فى التسمية وذلك أنه قد كان يجب عليهم أن يذكروا فى هذا الموضع أسماء العلوم لا أسماء الأفعال ولم يخطؤوا فى الأمور أنفسها فالأولى أن يقال كما قد يقول القليل منهم ان لصناعة الطب جزءا يستخرج الدلائل ولها جزء آخر هو الشافى وجزءها الآخر هو الحافظ للصحة وإن جزء المستخرج للدليل منه تصوير العلل ومنه تقدمة الإنذار وعلى هذا المثال فإن الجزء الشافى منه جزء مدبر ومنه جزء يستعمل الأدوية ومنه جزء يستعمل العلاج باليد ولك أن تسمى هذه الأجزاء التى ذكرناها كلها علوما أيضا فتقول ان هاهنا علما شافيا وعلما مستعملا للعلاج باليد وعلما مدبرا وسائر أجزاء جملة الطب النظائر لهذه الأجزاء وإن قلت مكان العلم معرفة أو حكمة أو باب نظر فلا عليك إذ كان ليس بين ذلك اختلاف فإنه ليس قصدك تتبع الأسماء لكن الوقوف على معرفة أصناف الأمور وأما اعتقادهم أن أجزاء الطب بالجملة الأول الجنسية صنفان فقد أصابوا فى قولهم ذلك غاية الصواب وذلك أن أجزاء الطب بعضها متممة وبعضها مقومة فالأجزاء المتممة هى الأجزاء التى بها يكون قوام غاية الطب والأجزاء المقومة لهذه الأجزاء هى أجزاء أخر وهى أسباب قوامها وكأنها أصناف وجودها وأما ترتيبهم استخراج الدلائل مع الجزء الشافى والجزء الحافظ للصحة حتى سووا بينه وبينهما فى القدر والمرتبة فلم يصيبوا فى ذلك فإن استخراج الدلائل متقدم ضرورة للشفاء وحفظ الصحة من قبل أنه ليس يمكن أحد أن يحفظ صحة إنسان من الناس ولا أن يشفيه من غير أن يعرف حال بدنه كيف هى لكن ليس إنما تتم الغاية المقصود إليها بالطب عن استخراج الدلائل نفسه ومع ذلك فإن الانتقال من الشىء إلى نظيره ليس هو أيضا جزءا مساويا فى القدر والمرتبة للعيان والخبر لكن ليس يحتاج فى هذا القول منى إلى بيان فى هذا الموضع وذلك أن قسيس النظار قد بلغ فى تبيين ذلك فى مقالة بأسرها ولم يكن سارافس من أصحاب التجربة يخالف فى هذا المعنى فمن كان قصده أن يعرف ذلك ممن يسلك سبيل التجربة فلينظر فى تلك المقالة وأما أنا فلأنى أعلم من مذهبك أنك تقصد السبيل التى تؤدى إلى الشفاء بطريق الاستدلال والقياس فأنا جاعل ابتداء ذلك شبيها بما يبتدئ به أصحاب التجربة ثم أقبل على ما يتصل بذلك
[chapter 7]
পৃষ্ঠা ৪২