وارمه الآن في أشد المضايق
وأذقه نكال بطشك واصرم
عمره في دياره بالصواعق
يا شديد المحال شدد عليه الك
رب وانصب له شباك العوائق
وكان دعاؤهم عليه كل ليلة في وقت الفجر، فاستجاب الله منهم في عامهم وقضي الأمر، ومنع عن مباشرة وظيفته، بعد إحالته على خليفته، وكان السبب في إبعاده على ما قيل في هذه المرة، هو أنهم رموه بقتل خادمه سكران بن خمرة؛ لادعاء بعضهم عليه أنه جمع ما جمع من الرشوة، وصرفه في سبيل اللهو والصبوة، ولما عاد إلى ما كان فيه من الضيق والكرب، وكان في هذه الدفعة قد انتقم من الحساد بالضرب، أغضب الصديق والجار، وفي حكمه على الجميع جار، فازداد عليه حنق العاقل والأحمق، ونظر إليه كل واحد منهم بعين العدو الأزرق، وبعد أن مكث في سجنه نحو شهر، يتقلب وحده على الجمر، تذكر الأقرع بن شعلان، الذي كان يأتيه بالأخبار في بعض الأحيان، وكان هذا الشيخ عند ذلك يقول، وجسمه من السغب في نحول: ليت شعري هل يسمح الزمان الذميم، بالقرب من سدة الرئيس الكريم، ويسالمني بعد ما فعل فعلته، وغير في عبادة الإخلاص قبلته، وأبى إلا أن يصفعني بخفه، ويطأ عنقي بظلفه، وتحول معي من الأدب إلى السفاهة والقباحة، ومن اللين إلى الصعوبة والوقاحة، وبينما هو يلهج بكيت وكيت، ويتعلل بلو وليت، ويقول هيهات هيهات، أن يرجع ما فات! إذ دخل عليه بشير، غلام الرئيس الخطير، وكان قد بعث به إلى هذا الأقرع، فانطلق إلى منزله كلمح البصر أو أسرع، وقال له بعد السلام والتحية: أجب مولانا صاحب السدة السنية، وكان الشيخ لا يعرف هذا الغلام، مليح الصورة رشيق القوام ، فقال له: ومن هو هذا الأمير، الذي تدعوني لمقابلته وإليه تشير؟ فقال: هو سيدك ونصيرك، وعدتك في شدتك ومجيرك، وإني أيها الشيخ الفقير، أعتذر لك عنه في التقصير، وقد جاء معي أخي عنبر، وهو واقف أمام بابك الأكبر؛ فلثم الشيخ يده اليمين، وقال له: مرحبا بك أيها الأمين، وكان الغلام قد هيج فيه شهوة الطمع، وأعطاه من النقود كمية اندفع بها عنه الوجع، ووعده بأموال وضياع، ورفاهية أحوال ومتاع، فلم تكن إلا هنيهة من الزمن أو لحظة، حتى نال الشيخ من هذا الطلب حظه، وبمرافقة الغلام إلى مولاه سمح، وعفا عن دهره المسيء وصفح، وبعد صلاة الظهر لبس أطماره البالية، وتمنى مفارقة عيشته غير الحالية، وسار مع الرسول، ولسان حاله يقول:
سامح زمانك إن أتى
بعد العناد مسالما
واقبل معاذير امرئ
أولاك منه مكارما
অজানা পৃষ্ঠা