مقالة التعطيل والجعد بن درهم

مقالة التعطيل والجعد بن درهم

প্রকাশক

أضواء السلف،الرياض

সংস্করণের সংখ্যা

الأولى

প্রকাশনার বছর

١٤١٨هـ/١٩٩٧م

প্রকাশনার স্থান

المملكة العربية السعودية

জনগুলি

مَقَالَةُ الْتَّعْطِيْلِ تأليف الدكتور: مُحَمَّد بْنُ خَلِيْفَة الْتَّمِيْمِيّ المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ﴾ الآية ١٠٢ من سورة آل عمران ﴿يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتّقُواْ اللهَ الّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ الآية ١ من سورة النساء ﴿يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ وَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ الآيتان ٧١ - ٧٢ من سورة الأحزاب. أما بعد: فإن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأهل الباطل يسعون قديمًا وحديثًا لطمس نور الحق الذي أنزله الله لعباده، ولكن الله ﷿ حفظ هذا النور لتقوم الحجة على العباد

1 / 3

وقد قال عز من قائل ﴿وَمَنْ أَظْلَم مِمّن افْتَرَىْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُو يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظّالمِين يُرِيْدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِم وَاللهُ مُتمّ نُورِه وَلَو كَرِه الكَافِرُون هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالهُدَى وَدِيْنِ الحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُوْنَ﴾ الآيات ٧-٨-٩ من سورة الصف. فهذه الآيات جسدت حقيقة الصراع القائم وأوضحت وكشفت بجلاء عن محاولات أهل الباطل لصد الناس عن الحق وسعيهم الحثيث في إطفاء نوره. ومن بين حلقات الصراع الدائر بين أهل الحق وخصومهم ما يتعلق بأهم مسائل الدين وقضاياه ألا وهي مسألة الإيمان بالله ﷿. فقد سعى أعداء هذا الدين من اليهود والمجوس والمشركين في طمس الحقائق الشرعية التي وردت بها النصوص، وأخذ ذلك السعي أنماطًا مختلفة ومن بين تلك الأنماط والأشكال ما يسمى عند أهل العلم بمقالة التعطيل التي أخذ أصحابها الأوائل١ على عاتقهم الكيد والدس والكذب والافتراء على الله في هذا الأصل العظيم من أصول هذا الدين، وقصدهم في ذلك حجب العباد عن المعرفة الصحيحة بالله ﷿ التي جاءت بها نصوص الوحي. وتعد مقالة التعطيل من أكثر المقالات خطورة نظرًا لأبعادها الخطيرة التي تشكلها على الإسلام وأهله: فالبعد الأول الذي يدلل على خطورة هذه المقالة كونها تمس أعظم جوانب هذا الدين وأكبر مسائله ألا وهو الإيمان بالله ﷿ الذي هو أول أركان الإيمان وأعظم مبانيه. فأصحاب هذه المقالة الأوائل سعوا في صد الناس عن هذا الدين من طريق الوقوف على

١- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ثم أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل للصفات- إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين ...)، انظر الفتوى الحموية الكبرى ص٤٦-٤٧.

1 / 4

بابه الذي يدخل منه، ذلك لأن من عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربه فهو لما سواه أجهل. فأرادوا بتعطيلهم لأسماء الله وصفاته قطع الطريق من أوله. ولله در سليمان التيمي (١٤٣هـ) إذ قال: "ليس قوم أشد نقضًا للإسلام من الجهمية والقدرية، وأما الجهمية فقد بارزوا الله؛ وأما القدرية فقد قالوا في الله ﷿"١ وأما البعد الثاني في خطورة هذه المقالة فهو كونها أول مقالة تعارض الوحي بالعقل، فلم تكن المقالات السابقة لهذه المقالة تطعن في الدين من هذا الجانب، فالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة عند ظهورهم لم يدع أحد منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنما أتوا من سوء الفهم للنصوص والاستبداد بما ظهر لهم منها دون من قبلهم، فكانوا ينتحلون النصوص ويستدلون بها على قولهم، ولا يدعون أنهم عندهم عقليات تعارض النصوص. فأصحاب مقالة التعطيل هم الذين فتحوا هذا الباب العظيم من أبواب الشر إذ طعنوا في نصوص الوحي وقدموا شبههم العقلية عليها. وأما البعد الثالث لهذه المقالة فهو ما أفرزته هذه المقالة من الفرق والآراء المنحرفة، فقد تولد عن هذه المقالة أنماط مختلفة وطروحات غريبة عن جوهر الإسلام وصفائه. وضربت هذه المقالة أطنابها في الفكر الإسلامي، ولا يتصور مدى الضرر الذي الحقته بحياة المسلمين وعقيدتهم.

١- السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ١/١٠٤،١٠٥ رقم (٨) .

1 / 5

فالتيار الفلسفي والكلامي بتفرعاته ومدارسه وطوائفه إنما هو نتاج هذه المقالة الخبيثة التي تولى كبر إظهارها شيخ المعطلة النفاة الجعد بن درهم، وتبعه في ذلك تلميذه الجهم بن صفوان ثم توالت طوائف الباطل تذكى نار هذه المقالة وتنفث من خلالها سمومها إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه. ونظرًا لهذه الأبعاد الخطيرة لهذه المقالة، فقد أحببت أن أطلع القارئ الكريم من خلال هذا الطرح العلمي على مضامين هذه المقالة وبدء ظهورها والنشأة التاريخية والأطوار التي مرت بها، وكذا التعريف بطوائفها ومسالكها، مع تسليط الضوء على أول من أظهرها وبذرها. فهذه الجوانب لم تنل حظها وحقها من الدراسة مع كونها جديرة بالعناية والإهتمام لأنها تمد الدارس لباب الأسماء والصفات وتزوده بمعلومات مهمة عن هذه المسألة وبالأخص في جانبيها التاريخي والمقالي بالإضافة إلى كونها تساعده في فهم وتصور جوانب الخلاف العقدي الدائر في هذه القضية. وقد سرت في عرضي لجوانب هذه الدراسة وفق الترتيب التالي: قسمت الموضوع إلى بابين: الباب الأول: التعريف بالتعطيل وأطواره وفيه فصلان الفصل الأول: تعريف التعطيل ودرجاته. وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعريف التعطيل وأنواعه. وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التعطيل

1 / 6

المطلب الثاني: أنواع التعطيل. المبحث الثاني: درجات التعطيل. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عمومًا. المطلب الثاني: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى. المطلب الثالث: درجات التعطيل في باب صفات الله العلى. الفصل الثاني: أطوار مقالة التعطيل. وفيه مبحثان: المبحث الأول: المقالات السابقة لمقالة التعطيل. وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: مقالة الخوارج. المطلب الثاني: مقالة الشيعة. المطلب الثالث: مقالة القدرية. المطلب الرابع: مقالة المعتزلة. المطلب الخامس: مقالة المرجئة. المبحث الثاني: نشأة التعطيل وأطواره. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: خطورة مقالة التعطيل.

1 / 7

المطلب الثاني: مراحل التعطيل الأولى. المطلب الثالث: مراحل اتساع دائرة التعطيل. الباب الثاني: الجعد بن درهم وفيه فصلان: الفصل الأول: تاريخ الجعد بن درهم. وفيه مبحثان: المبحث الأول: نسبه ونشأته. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اسمه ونسبه. المطلب الثاني: أصول الجعد. المطلب الثالث: مولده وموطنه. المبحث الثاني: بدء ظهوره وقصة قتله. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بدء ظهور مقالة الجعد. المطلب الثاني: مقتل الجعد. المطلب الثالث: موقف خلفاء بني أمية من أهل البدع. الفصل الثاني: بدع الجعد ومقالاته والرد على بعض الشبه والمغالطات التي تثار حوله.

1 / 11

وفيه مبحثان: المبحث الأول: بدع الجعد ومقالته. وفيه مطلبان: المطلب الأول: أقول العلماء فيه. المطلب الثاني: بدعه ومقالاته. المبحث الثاني: الردود على بعض الشبه والمغالطات التي أثيرت حول الجعد بن درهم. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المغالطة الأولى. المطلب الثاني: المغالطة الثانية. المطلب الثالث: المغالطة الثالثة. وبعد: فقد بذلت قصارى جهدي وغاية وسعي في توضيح المسائل السالفة الذكر، وهناك جوانب أخرى للموضوع سوف استوفى الحديث عنها في دراسة أخرى بإذن الله تعالى. والله أسأل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه وأن يجعله عملًا صالحًا ولوجهه خالصًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. حرر في ٢٥/رمضان/١٤١٧هـ كتبه: د/محمد بن خليفة التميمي الأستاذ المشارك بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية

1 / 12

الباب الأول: تعريف مقالة التعطيل وأطواره الفصل الأول: التعريف بالتعطيل وأطواره المبحث الأول: تعريف التعطيل وأنواعه المطلب الأول: تعريف التعطيل ... المطلب الأول: تعريف التعطيل ا- التعطيل لغة مأخوذ من مادة (عطل) قال ابن فارس: (عطل) العين والطاء واللام أصل صحيح واحد يدل على خلوٍّ وفراغ. تقول عطِّلت الدارُ، ودار معطلة. ومتى تركت الإبل بلا راع فقد عطِّلت. وكذلك البئر إذا لم تُورَدْ ولم يُستق منها. قال الله ﵎: ﴿وَبِئْر مُعَطَّلة﴾ ١. وقال تعالى: ﴿وَإِذَاْ العِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ ٢. وكل شيء خلا من حافظ فقد عطل. من ذلك تعطيل الثغور وما أشبهها. ومن هذا الباب العَطَل وهو العُطُول، يقال امرأة عاطل، إذا كانت لا حلي لها، والجمع عواطل. وقوس عُطُلٌ: لا وتر عليها. وخيل أعطال: لا قلائد لها.٣ وقال الخليل بن أحمد: (امرأة عاطل بغير هاء: لا حليّ عليها وقوس عُطُل: لا وتر عليها. والأعطال من الخيل التي لا أرسان عليها. وإذا ترك الثغر بلا حام يحميه فقد عطل. والمواشي إذا أهملت بلا راع فقد عطلت، وكذلك الرعية إذا لم يكن لها والٍ يسوسها فهم معطلون، وقد عطلوا: أي أهملوا. وبئر معطلة لا يستقى منها ولا ينتفع بمائها. وتعطيل الحدود ألا تقام على من وجبت عليه، وعطلت الغلات والمزارع إذا لم تعمر ولم تحرث. وسمعت العرب تقول

١- الآية ٤٥ من سورة الحج. ٢- الآية ٤ من سورة التكوير. ٣- معجم مقاييس اللغة ٤/٣٥١.

1 / 16

فلان ذو عطلة إذا لم تكن له صنعة يمارسها. ودلو عَطِلَة إذا تَقَطع وذَمُها فتعطلت من الاستقاء بها) ١. وقال ابن سيده: (التعطيل: التَّفريغ، وعطّل الدار: أخلاها. وكل ما ترك ضياعًا مُعَطَّلٌ ومُعْطَل.) ٢. فمن خلال هذه النقول عن بعض كبار أئمة اللغة يتضح لك أن مدار كلمة التعطيل في اللغة على الخلو والفراغ والترك. وهذا ما فسر به بعض السلف قوله تعالى: ﴿وَبِئْر مُعَطَّلة﴾ . قال ابن عباس ﵄ في تفسيرها: "التي تركت"٣ وقال قتادة: "أعطلها أهلها، وتركوها"٤. وكذا قوله تعالى:: ﴿وإذا العشار عطلت﴾ قال أبي بن كعب: "إذا أهملها أهلها.٥. وقال مجاهد: "سيبت وتركت".٦ وهذه المعاني اللغوية للتعطيل هي المستعملة في الاصطلاح كما سيأتي. ب- التعطيل إصطلاحًا: يختلف تعريف التعطيل باختلاف صوره فهناك:

١- تهذيب اللغة ٢/١٦٥. ٢- المحكم ١/٣٣٨، ٣٣٩. ٣- تفسير الطبري ١٧/١٨٠. ٤- تفسير الطبري ١٧/١٨٠. ٥- تفسير الطبري ٣٠/٦٦. ٦- تفسير الطبري ٣٠/٦٦.

1 / 17

١- التعطيل المحض أو الكلي: وهو إنكار الخالق وإنكار كلامه ودينه، وإنكار عبادته وشرائعه. قال ابن القيم: (وأهل التعطيل المحض عطلوا الشرائع وعطلوا المصنوع عن الصانع وعطلوا الصانع عن صفات كماله، وعطلوا العالم عن الحق الذي خلق له وبه، فعطلوه عن مبدئه ومعاده وعن فاعله وغايته) ١. وأهل هذا التعطيل هم الملاحدة الدهرية الطبائعية الذين ينكرون ما سوى هذا الوجود الذي يشاهده الناس ويحسونه، وهو وجود الأفلاك وما فيها٢ وقالوا: "إن العالم دائم لم يزل ولا يزال، ولا يتغير ولا يضمحل، وإن الأشياء ليس لها أول البتة.٣ ٢- أما تعطيل الأسماء والصفات: فهو نفي الصفات الإلهية عن الله وإنكار قيامها بذاته أو إنكار بعضها.٤ أو: نفي الأسماء والصفات أو بعضها. فتوحيد الأسماء والصفات له ضدان هما: ١- التعطيل.٢- التمثيل. فمن نفى صفات الرب ﷿ وعطلها، فقد كذب تعطيله توحيده. ومن شبهه بخلقه ومثله بهم، فقد كذب تشبيهه وتمثيله توحيده.٥

١- إغاثة اللهفان ٢/٢٦٨. ٢- درء تعارض العقل والنقل ٥/١٦٨. ٣- إغاثة اللهفان ٢/٢٥٦. ٤- الكواشف الجلية عن معاني الواسطية ص٨٧. ٥- اجتماع الجيوش الإسلامية ص٣٦.

1 / 18

والتعطيل في هذا الباب على قسمين: القسم الأول: التعطيل المحض التام أو الكلي، وهو الذي عليه الجهمية والفلاسفة من إنكار جميع الأسماء والصفات. والقسم الثاني: التعطيل الجزئي وهو نوعان: النوع الأول: إثبات الأسماء ونفي الصفات وهو الذي عليه المعتزلة ومن وافقهم. النوع الثاني: نفي بعض الصفات دون بعض وهو الذي عليه الكلابية والأشاعرة والماتريدية. والتعطيل هنا في هذا الباب يدخل فيه تعطيل الباري ﷾ عن أسمائه وصفاته. ويدخل فيه أيضًا تعطيل نصوص الأسماء والصفات الذي هو إنكار حقائقها وما دلت عليه وما تضمنته من المعاني. ٣- تعطيل النبوات: وهو إنكار النبوات، كما هو حال البراهمة القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع ولكنهم ينكرون النبوات أصلًا. فالخلاف مع الخارجين عن الملة على ثلاثة أضرب: ١- الخلاف مع المنكرين للصانع والقائلين بقدم العالم. ٢- وخلاف مع القائلين بحدوث العالم المثبتين للصانع المنكرين للنبوات أصلًا كالبراهمة. ٣- خلاف مع القائلين ببعض النبوات المنكرين لنبوة محمد ﷺ.١

١- نقض تأسيس الجهمية ١/١٤٠.

1 / 19

قال ابن حزم: (ذهبت البراهمة وهم قبيلة بالهند فيهم أشراف الهند وهم يقولون بالتوحيد على نحو قولنا إلا أنهم أنكروا النبوات) ١.

١- الفصل ١/٦٩.

1 / 20

المطلب الثاني: أنواع التعطيل في توحيد الله ينقسم التعطيل في باب التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي: ١- التعطيل في توحيد الربوبية ٢- التعطيل في توحيد الألوهية ٣- التعطيل في توحيد الأسماء والصفات. فالتوحيد كما هو معلوم ضده الشرك، والشرك والتعطيل متلازمان، فكل مشرك معطل وكل معطل مشرك، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرًا بالخالق سبحانه وصفاته ولكنه عطل حق التوحيد، وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل.١ أما القسم الأول: فهو تعطيل توحيد الربوبية والمقصود به إنكار وجود الخالق ﷾ ومن صور هذا القسم وأمثلته: ١- شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وإنه لم يكن معدومًا أصلًا، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس.٢ ٢- شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون ما ثم خالق ومخلوق، ولا

١- الجواب الكافي ص١٥٣. ٢- الجواب الكافي ص١٥٣.

1 / 21

هاهنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه.١ ٣- شرك فرعون إذ قال: ﴿وَمَا رَبُّ العَالَمِين﴾ ٢ وقال تعالى مخبرًا عنه أنه قال لهامان ﴿وقَالَ فِرْعَون يَا هَامَان ابن لِي صرْحًا لَعَلي أبلُغ الأَسْبَابَ أسبابَ السَّمَاوَاتِ فأطَّلعَ إلَى إلهِ مُوسَى وَإني لأَظنُّهُ كَاذبًا﴾ ٣ القسم الثاني: التعطيل في توحيد الألوهية قال ابن القيم في تعريفه هو: تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد ٤. (ومن صوره ما يفعله بعض غلاة المتصوفة من إسقاط العبادات عنهم وعن أتباعهم، وزعمهم أن الكمال في فناء العبد عن حظوظه -أي الفناء في توحيد الربوبية- حيث يعلنون أن العارف الذي يشهد هذا المقام “لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة" ويجعلون هذا غاية العرفان) .٥ القسم الثالث: التعطيل في توحيد الأسماء والصفات وهو نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها. ومن صوره ما يعتقده غلاة الجهمية والقرامطة الذين لم يثبتوا لله اسمًا ولا صفة، فعطلوا أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله، بل جعلوا المخلوق أكمل منه إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها.٦ وهذا القسم من أقسام التعطيل هو ما سأتناوله في هذه الدراسة بشكل مفصل وموسع.

١- الجواب الكافي ص١٥٣. ٢- الآية ٢٣ من سورة الشعراء. ٣- الآيتان ٣٦،٣٧ من سورة غافر. ٤- الجواب الكافي (ص١٥٣) . ٥- التصوف وابن تيمية للدكتور مصطفى حلمي ص٣٩٠. ٦- الجواب لكافي ص١٥٣.

1 / 22

المبحث الثاني: درجات التعطيل المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عمومًا ... المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عمومًا من سبر أقوال أهل التعطيل يجدها من حيث العموم تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: نفي جميع الأسماء والصفات. وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان١، والفلاسفة، سواء كانوا أصحاب فلسفة محضة كالفارابي٢، أو فلسفة باطنية إسماعيلية قرمطية كابن سينا٣، أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات، كما يُحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي أسماء الله الحسنى، كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول) القسم الثاني: نفي الصفات دون الأسماء. وهذا قول المعتزلة، ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري٥. والزيدية، والرافضة الإمامية، والإباضية. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه.

١- مجموع الفتاوى ٦/١٣٥، ٥/٣٥٥، ١٣/١٣١، درء تعارض العقل والنقل ٣/٣٦٧. ٢- منهاج السنة ٢/٥٢٣، ٥٢٤. ٣- شرح العقيدة الأصفهانية ص٧٦. ٤- النبوات ص١٩٨. ٥- درء تعارض العقل والنقل ٥/٢٤٩، ٢٥٠.

1 / 24

يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثًا قديمًا قادرًا عالمًا حيًاّ لا لمعان....."١ القسم الثالث: إثبات الأسماء وبعض الصفات ونفي البعض الآخر. وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية. فالكلابية وقدماء الأشاعرة: يثبتون الأسماء والصفات ما عدا صفات الأفعال الاختيارية٢ (أي التي تتعلق بمشيئته واختياره) فهم إما يؤولونها أو يثبتونها على اعتبار أنها أزلية وذلك خوفًا منهم على حد زعمهم من حلول الحوادث بذات الله٣ أو يجعلونها من صفات الفعل المنفصلة عن الله التي لا تقوم به.٤ وأما الأشاعرة المتأخرون ومعهم الماتريدية فهم يثبتون الأسماء وسبعًا من الصفات هي (الحياة، العلم، القدرة، السمع، البصر، الإرادة، الكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين) .٥ وينفون باقي الصفات ويؤولون النصوص الواردة فيها ويحرفون معانيها.

١- كتاب باب ذكر المعتزلة من كتاب المنيه والأمل ص٦. وانظر شرح الأصول الخمسة ص١٥١، ومقالات الإسلاميين ص١٦٤،١٦٥، مجموع الفتاوى ٥/٣٥٥. ٢- مجموع الفتاوى ١٣/١٣١. ٣- موقف ابن تيمية من الأشاعرة ٢/٥٠٦. ٤- المصدر السابق ٢/٥٤٤. ٥- انظر تحفة المريد ص٦٣، وإشارات المرام ص١٠٧، ١١٤، وكتاب الماتريدية دراسة وتقويم ص٢٣٩، وكتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات ٢/٤٣٠، ومنهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله ص٤٠١.

1 / 25

المطلب الثاني: درجات التعطيل في باب الأسماء الحسنى القول الأول: من يقول إن الله لا يسمى بشيء. وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة الباطنية والفلاسفة. وهؤلاء المعطلة لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي: المسلك الأول: الاقتصار على نفي الإثبات فقالوا: لا يسمى بإثبات. المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي. المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي. المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها. فهذا الصنف من المعطلة اتفقوا على إنكار الأسماء جميعها، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار. ١- فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك: ا- أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء لزم أن يكون متصفا بمعنى الاسم كالحياة والعلم، فإن صدق المشتق -أي الاسم كالعليم- مستلزم لصدق المشتق منه -أي الصفة كالعلم- وذلك محال عندهم. ب- ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره. والله منزه عن

1 / 26

مشابهة الغير.١ فهؤلاء المعطلة المحضة -نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهًا. فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع والبصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا إذا قلنا موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجود) وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئًا لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز"٣. وهو قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة فهم يقولون لا نسميه حيًّا ولا عالمًا ولا قادرًا ولا متكلمًا إلا مجازًا بمعنى السلب والإضافة: أي هو ليس بجاهل ولا عاجز.٤ وهذا كذلك قول ابن سينا وأمثاله.٥ ٢- وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا: لا يسمى بإثبات ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود ولا حي ولا لاحي. لأن في الإثبات تشبيهًا بالموجودات، وفي النفي تشبيهًا له بالمعدومات.

١- انظر مجموع الفتاوى ٦/٣٥، ٣/١٠٠، ودرء تعارض العقل والنقل ٣/٣٦٧، وكتاب الصفدية ١/٨٨-٨٩، ٩٦-٩٧. ٢- منهاج السنة ٢/٥٢٣، ٥٣٤. ٣- مجموع الفتاوى ١٢/٣١١. ٤- مجموع الفتاوى ٥/٣٥٥. ٥- الصفدية ١/٢٩٩-٣٠٠.

1 / 27

وكل ذلك تشبيه. وهذا المسلك ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة.١ ٣- وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم. ومن الناس من يحكى هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه.٢ وأصحاب هذا المسلك هم المتجاهلة اللاأدرية. وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي. وأصحاب المسلك الأول هم المكذبة النفاة. والملاحظ أن كل فريق من هؤلاء يهدم ما بناه من قبله فلما اقتصر أصحاب المسلك الأول على النفي وامتنعوا عن الإثبات بحجة أن في الإثبات تشبيهًا له بالموجودات جاء أصحاب المسلك الثاني فزادوا في الغلو وزعموا أن في النفي كذلك تشبيهًا له بالجمادات فمنعوا النفي أيضا ثم جاء أصحاب المسلك الثالث فاتهموا أصحاب المسلك الثاني بأنهم شبهوه بالممتنعات لأن قولهم يقوم على نفي النقيضين وهذا ممتنع.

١- مجموع الفتاوى ٦/٣٥، ٣/١٠٠، شرح الأصفهانية ص٧٦، ٨٠. ٢- كتاب الصفدية ١/٩٦-٩٨، شرح الأصفهانية ص٨٤.

1 / 28

٤- وهناك مسلك رابع: وهو مسلك أصحاب وحدة الوجود الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد.١ وهذا منتهى قول طوائف المعطلة.٢ وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو: (وجود مطلق) أي وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية،٣ القول الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما: "الخالق" و" القادر" وهذا القول منسوب للجهم بن صفوان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروى عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا "بالخالق" و"القادر" لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا قدرة له."٤ وقال ﵀: "ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمى الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادرًا خالقًا، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية"٥

١- شرح القصيدة النونية للهراس ٢/١٢٦. ٢- الصفدية ١/٩٨، ٩٩. ٣- الصفدية ١/١١٦، ١١٧. ٤- منهاج السنة ٢/٥٢٦، ٥٢٧، الانساب للسمعاني ٢/١٣٣. ٥- درء تعارض العقل والنقل ٥/١٨٧، مجموع الفتاوى ٨/٤٦٠.

1 / 29