اكتشفت هذا عندما هممت بخلع ملابسي في علية مستودع القوارب التي كان علي مشاركتها مع ابنة السيدة مونتجوي ذات الأعوام العشرة؛ ماري آن.
قالت ماري آن: «ماذا حدث لردائك؟ هل تتعرقين كثيرا؟ هذا سيئ جدا.»
فقلت لها إنه رداء قديم على أي حال وإنني لم أشأ أن أرتدي شيئا غاليا في القطار.
كانت ماري آن ذات شعر أشقر وبشرة منمشة، ووجه طويل مثل والدتها. ولكن لم يكن لها طلة والدتها المعبرة عن الأحكام السريعة التي تحتشد على السطح وتكون على استعداد للقفز في وجهك. كان تعبير وجهها لطيفا وجادا، وكانت ترتدي نظارة ذات عدسات سميكة حتى حين كانت تجلس في الفراش. وقد أخبرتني بعد فترة وجيزة أنها قد أجرت عملية جراحية لعلاج الحول الذي كان في عينيها، ولكن مع ذلك ظل بصرها ضعيفا.
قالت: «لقد ورثت عيني والدي، وورثت ذكاءه أيضا. يا له من شيء غاية في السوء أنني لم أكن صبيا.»
وكان هذا اختلافا آخر بين العالمين؛ فقد كان ثمة اعتقاد عام في موطني أن الصبية أقل ذكاء من الفتيات، وإن لم يكن في ذلك ميزة خاصة لهؤلاء أو أولئك. فكان بإمكان الفتيات أن يمضين في طريقهن ليصبحن معلمات، وكان ذلك أمرا لا بأس به - وإن كان قطار الزواج كان يفوتهن في أغلب الأحيان - ولكن كان استمرار الصبية في الدراسة عادة ما كان يعني أنهم مخنثون.
كان بإمكانك طوال الليل أن تسمع المياه تصطدم بألواح مستودع القوارب. وجاء الصباح مبكرا. تساءلت ما إذا كنت قد ابتعدت إلى شمال موطني بما يكفي لكي تشرق الشمس سريعا هكذا، فنهضت ونظرت إلى الخارج، وعبر النافذة الأمامية رأيت المياه الحريرية التي كان سطحها يرتد وميض ضوء السماء منه ليضيء قاعها. رأيت الشواطئ الصخرية لهذا الخليج الصغير، والقوارب الشراعية الراسية عليها، والقناة المفتوحة خلفها، ورابية جزيرة أخرى أو اثنتين، والشواطئ والقنوات القابعة خلف ذلك. وخطر لي أنني لن أكون قادرة، وحدي، على أن أجد طريقي للعودة إلى البر الرئيسي مرة أخرى.
لم أكن قد أدركت بعد أنه يجب ألا تجد الخادمات طريقهن إلى أي مكان؛ فهن يقبعن حيثما يكون العمل. وحدهم الأشخاص الذين يوجدون العمل هم من يستطيعون المجيء والذهاب.
كانت النافذة الخلفية تطل على صخرة رمادية أشبه بجدار مائل، ذات منحدرات وصدوع حيث كانت تنمو أشجار صنوبر وأرز صغيرة وشجيرات توت أزرق. وأسفل قاعدة ذلك الحائط كان ثمة طريق - سلكته فيما بعد - عبر الغابة يؤدي إلى منزل السيدة مونتجوي. كان كل شيء هنا لا يزال رطبا وشبه مظلم، رغم أنك لو مددت عنقك، لأمكنك أن ترى قطعا من السماء تتألق ببياضها عبر الأشجار القابعة أعلى الصخرة. كانت جميع الأشجار تقريبا متجهمة، دائمة الخضرة، ولها رائحة ، ولها أغصان كثيفة لم تكن تسمح بنمو أي نباتات أسفلها؛ فلم يكن ثمة نمو غزير لنباتات الكرم، والعليق، والشجيرات مثلما كنت معتادة في غابة أشجار الخشب الصلب. وقد لاحظت هذا عندما نظرت من القطار في اليوم السابق؛ لاحظت كيف أن ما كنا نسميه الدغل قد تحول إلى شكل الغابة الأكثر واقعية، والتي قضت على كل النباتات الغزيرة والفوضى والتغييرات الموسمية. بدا لي أن هذه الغابة الحقيقية مملوكة لأناس أثرياء - كانت بمنزلة الملعب اللائق لهم رغم كآبتها - وللهنود الذين كانوا يعملون لدى الأثرياء كمرشدين وتابعين غريبين، الذين كانوا يعيشون بعيدا عن العين وبعيدا عن العقل، في مكان لم يكن يمر به القطار.
غير أنه في ذلك الصباح كنت أنظر خارج النافذة في لهفة وكأن هذا المكان هو المكان الذي سوف أعيش فيه وسوف يصبح كل شيء فيه مألوفا بالنسبة إلي. وقد أصبح كل شيء مألوفا بالفعل، على الأقل في الأماكن التي كان عملي فيها وحيثما يفترض أن أذهب، ولكن كان ثمة حاجز قائم، ربما تكون كلمة «حاجز» كلمة أقوى من اللازم؛ فلم يكن ثمة أي تحذير أكثر من مجرد شيء كومضة في الهواء، مجرد تذكرة بليدة. «ليس لك»، لم يكن ذلك بالشيء الذي يجب أن يقال، أو يوضع على لافتة. «ليس لك». وعلى الرغم من استشعاري لها، فلم أكن لأعترف لنفسي بوجود مثل هذا الحاجز، لم أكن لأعترف بأنني قد شعرت حتى بالذل أو الوحدة، أو بأنني كنت خادمة حقيقية. ولكنني توقفت عن التفكير في مغادرة الطريق، والاستكشاف بين الأشجار. فلو أن أحدا قد رآني، لاضطررت إلى توضيح ما كنت أفعله، ولم يكن ذلك ليعجبهم؛ وأقصد بذلك السيدة مونتجوي.
অজানা পৃষ্ঠা