أنه إذا كان هناك مفاهيم «أوحت بها في بدء الأمر أوجه شبه خاصة بالأشياء الحقيقية» (كالخط المستقيم، والدائرة ...) «فإن الأعداد الخيالية، والأعداد غير المتناهية، وكثيرا غيرها من الكيانات الرياضية هي مجرد ابتكارات عقلية.» (7) التعريفات
وكما أننا نستطيع تصنيف القضايا الرياضية إلى فئتين: قضايا يبرهن عليها كالنظريات، وقضايا أولية يسلم بها دون برهان، كالبديهيات، كذلك يمكن تصنيف المفاهيم إلى مفاهيم معرفة، ومفاهيم أولى يسلم بها دون تعريف. وهنا قد يخطر اعتراض بالذهن. فكيف حدث أن أدخلنا التعريف ضمن المبادئ، مع أن التعريف كما رأينا لا يبدو نقطة بداية؟ إن علة هذا الغموض ترجع إلى أن المرء ينظر إلى فكرة المبدأ من خلال نظرة إجمالية أكثر مما ينبغي. فالقضية يمكن أن تؤدي دور المبدأ، أعني يمكن أن تؤدي دور قضية يسلم بها دون برهان، وتمكن من البرهنة على غيرها من القضايا، دون أن تكون، رغم ذلك، هي الأولى زمنيا. ففي العلوم الرياضية ذات التركيب المعقد، لا يستطيع المرء أن يقنن بصفة نهائية كل المستلزمات الضرورية لبناء نظرية. فتعريف مفهوم ما هو نقطة نهاية على نحو ما، ما دام سيستخدم أحيانا مفاهيم متعددة «سبق» تعريفها، ولكنه يستخدم مبدأ من أجل التوسع «التالي» في النظرية. فتعريف الشكل البيضاوي مثلا هو نقطة بداية بالنسبة إلى كل برهنة على نظريات الشكل البيضاوي.
ومن العسير أن نحدد على وجه السرعة خصائص التعريفات الرياضية؛ فطرق التعريف متباينة،
7
ودراستها مرتبطة بدراسة عميقة لموضوع الرياضة. وسنرى في نهاية هذا الفصل عرضا لطرق معينة في التعريف (مثل إدخال مفهوم المجموع، ومفهوم العدد الحقيقي، ومفهوم العدد التخيلي، ومفهوم القوة). (8) النزعة الشكلية
Formalisme
بينا من قبل أن الرياضي يجد نفسه مستغرقا في القيام بعملية تجريد أساسية، وسنرى أن هذا الجهد الذي يقوم فيه الرياضي بعملية التجريد هذه، يصل إلى أقصى حدوده في عرض «هلبرت» لهندسة إقليدس.
ولنقل باختصار، إنه ما دام الرياضي ينفصل عن الطبيعة العينية للكيانات الرياضية، فمن الواجب أن نفحص عن كثب دور هذه الكيانات الرياضية، أو بعبارة أدق، العلاقات التي توجد بينها، ولكي نكون على ثقة من أننا نفحص «علاقات» الكيانات الرياضية، تاركين «طبيعتها» جانبا. يجب أن نكون قادرين على التحرر من اللغة ذاتها، وعلى فهم القيمة العميقة للمناهج التي تغلب الطابع الشكلي، المجرد، للتركيبات الرياضية. ولقد ألقى الرياضي «جان ديودونيه
Jean Dieudonné » ضوءا ساطعا على المعنى العميق لمنهج «هلبرت»، فقال: «لم يستطع أحد، مثل هلبرت أن يحقق هذا البرنامج بمثل هذا القدر من العزم والوضوح ولم يبرر أحد قبله ذلك المبدأ الأساسي القائل بأن «طبيعة» الكيانات المدروسة لا أهمية لها في الرياضيات، وأن العلاقات الموجودة بين هذه الكيانات هي وحدها الهامة. فبدلا من كلمات «النقطة»، «والمستقيم»، «والسطح»، ينبغي أن يكون في وسع المرء أن يقول دائما، دون أن يخشى الوقوع في الخطأ، «منضدة» و«مقعد»، وكأس من الجعة». ذلك ما عبر عنه «هلبرت» منذ 1891م بدعابة تكررت في ذلك الاستهلال المشهور (والذي عد في وقته انقلابا) لكتاب أسس الرياضيات.
8
অজানা পৃষ্ঠা