5
الملاحظة العلمية تتطلب شجاعة، إذ تنطوي على أخطار
تناقلت الألسن قصة عالم الفلك الذي عاش في القرن الثامن عشر، وأراد أن يلاحظ كسوف الشمس الذي يسببه الكوكب عطارد، فأبحر إلى نصف الكرة الجنوبي، الذي يمكنه فيه وحده أن يراه، فأسره قراصنة، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد سنين عديدة لم يتمكن خلالها من القيام بملاحظاته، وفي آخر الأمر عاد إلى الرحيل إلى الهند، حيث يستطيع أن يرى الكسوف التالي.
والواقع أن العلم يثير من الانفعالات الجياشة ما يجعل من يحسون أناسا لا يعرف الخوف إليهم سبيلا. وإذا كان العالم الفلكي الذي تحدثنا عنه قد بلغ غاياته دون أن يصاب بضرر بالغ، فإن هناك كثيرا من العلماء الذين كانوا يدرسون أشعة «إكس» الخطرة في معاملهم قد أجريت لهم في كثير من الأحيان عمليات بتر على جانب كبير من الخطورة. والواقع أن الملاحظة العملية تنطوي أحيانا على أخطار جدية وتقتضي شجاعة بدنية. ويمكننا أن نقول بوجه عام: إن المرء عندما يكشف قوة طبيعية أو كيميائية أو بيولوجية مجهولة، ويشرع في دراستها، تكون ملاحظتها أمرا ينطوي على الخطر، فالعالم «كلود برنار» قد عقره حصان كان يجرب عليه آثار المرض الخطير المسمى بداء الخيل، ولا شك في أن أطباء معاهد باستير المتعددة كانوا يتعرضون لأخطار مميتة وهم يقومون بعملية عزل وجمع ودراسة فصائل «نقية» (أعني خطرة إلى أقصى حد) من البكتريا والطفيليات المخيفة التي تسبب الأمراض الوبائية الكبرى، كالتيفوس ومختلف أنواع حمى المناطق الحارة، والكوليرا والطاعون.
العمل العلمي يتطلب نزاهة كاملة
لا يقبل العالم جزاء على كل ما يصادفه من أخطار، وما يقوم به من أعمال، سوى المجد فحسب، فمهنة العالم تقتضي إنكارا للذات، وتتطلب منه على الأقل امتناعا عن استغلال علمه من أجل الإثراء، وهكذا يظل العالم فقيرا، والحق أن المهن العلمية ليست هي التي تسمح بصفقات مربحة، وإنما تعود الأرباح الجمة من التطبيقات الصناعية للعلم. غير أن هذه الأرباح لا تذهب إلى جيب العالم، الذي تظل أبحاثه نظرية خالصة، أعني تتجه دائما نحو المعرفة أو «التأمل النظري
theoria » بل تذهب إلى ذلك الذي يحول فكرة علمية إلى جهاز عملي تصنع منه أعداد كبيرة في مصانع ضخمة، وتتطلب اجتذاب عدد كاف من العملاء، أعني البحث عن «أسواق» كما يقولون وتلك مهمة لا صلة للعالم بها على الإطلاق، فعليه أن يختار، وقد اختار التأمل النظري بالضرورة، والفقر تبعا لذلك.
ولا شك في أن المجتمعات الحديثة تقدم «إعانات» للعلم النظري، فهي ترعى المعامل والمراصد، عن طريق الميزانيات الحكومة أو التبرعات الفردية، وتخصص للعلماء أرفع أنواع «التكايا»
Sinécures
حسب تعبير الجماعات الدينية القديمة، (والكلمة الفرنسية
অজানা পৃষ্ঠা