غير أن الحكم إذا كان داخليا فليس معنى ذلك أنه يصبح ذاتيا لهذا السبب، فالذاتية هي الارتباط الوثيق للحكم بفردية الذات، و «بالأنا» حقا أن الذات تقول: أنا أفكر، ولكن هل المقصود هنا هو فرديتها، وأناها، لقد لاحظ بعضهم - بحق - أن ديكارت عندما قال «أنا أفكر إذن أنا موجود.» “Cogito, ergo sum”
لم يكن يعني «إذن فأنا موجود بوصفي ديكارت.» “ergo Sum Cartesius”
إذ لو كان الأمر كذلك، لأمكنه أن يستخلص من هذا الاستدلال ذاته الصفات: رجل ... إلخ، بل لأمكنه أن يستخلص منه: مولود في 1596م في لاهاي بمقاطعة التورين ... إلخ، وربما استخلص منه: مصيره أن يموت في استوكهولم. غير أن هذا كله محال. فما كان في وسعه أن يستخلص منه إلا: «أنا شيء مفكر
sum res cogitans » فلا يتبقى منه الذاتية في الوعي العقلي شيء.
وإذن، فالحكم قد يكون فعلا داخليا دون أن يكون فعلا ذاتيا.
المنطق، وقد رد إليه اعتباره ضد النزعة النفسية
إذن، فعلى الرغم مما يعتقده دعاة النزعة النفسية، يوجد علم خاص بحقيقة عمليات العقل، وهذا العلم هو المنطق، وقد بدأ الناس يميزونه من علم النفس الذي هو علم الأفعال العقلية، أيا كانت، منظورا إليها من حيث واقعيتها (أعني من حيث أنها توجد بالفعل) لا من حيث قيمتها (أي من حيث أن لها قيمة).
حجج الرياضة:
تضرب لنا الأحكام الرياضية مثلا رائعا، فلنتأمل حكما غاية في البساطة، مثل 2 + 2 تساوي 4. فإذا نحن تأملناه من وجهة النظر النفسية وجدنا فيه جوا فرديا كاملا: فربما كان صادرا عن فعل جرت به العادة، أو عن تذكر، يسترجع فيه المرء ذكرى كشفه لتلك الحقيقة عندما عد على أصابعه حين كان طفلا، وما يحيط بهذا الكشف من حنين وجداني تبعثه هذه الذكرى التي ترجع إلى الماضي، أو عودة انفعال مؤلم (غضب المدرس عندئذ نظرا للبطء المفرط في القيام بعملية هينة كهذه) ثم انفعال السرور الطفيف، الذي تبعثة الأداء الحالي لفعل عقلي اعتيادي هين يرضي المرء كل الرضا، إلخ، فإذا انتقينا عملية أصعب من هذه بكثير، كاستخراج الجذر التربيعي، أو حساب التكامل، فإن التحليل النفساني يكشف لنا بلا شك عن شعور بالجهد، وبتكرار التعود، والأخطاء التي صححت، أو التي تثبط الهمة إذا لم يفلح المرء في التغلب عليها، إلخ.
ذلك ما يقدمه إلينا التحليل النفساني، غير أن في الأمر شيئا آخر: هو حقيقة القضية، فهذه القضية يمكن البرهنة عليها فما الذي نفعله كي نبرهن عليها؟ وما البرهنة؟ وكيف يبرر ذلك النوع من الضمان، ومن الطمأنينة الظافرة التي يبعثها البرهان؟ إن لهذه الأسئلة علما خاصا يجيب عنها.
অজানা পৃষ্ঠা