العقل من كون موادها قابلة لكلا الضدين ، فتكون قابلة لكون صورة فيها ، فتتكون هي فيها ، وكذا لفسادها عنها فتفسد عنها ، وكذلك لا مانع عند العقل أن يقتضي العلم بالأصلح أن يخلق ضد صورها ، فيطرأ عليها ضدها ، فتنعدم صورها وتفسد.
وما ذكره الفلاسفة من الوجوه الدالة عندهم على عدم إمكان طروء الفساد عليها كلها وجوه ضعيفة ، مبنية على اصول غير ثابتة ، لا يكاد يتم التمسك بها في ذلك. مثل ما ذكروه من أنها قديمة ، وما ثبت قدمه امتنع عدمه ، كما مضى دليله. فإن ذلك مبني على قدم العالم ، أو على قدم خصوص الأفلاك وما فيها ، وقد ثبت بطلان ذلك ، بل الحق أن العالم بجميع أجزائه حتى الأفلاك وما فيها حادثة حدوثا دهريا كما بيناه في رسالة موضوعة لذلك ، فليرجع إليها. (1)
ومثل ما ذكروه من أن الكائن الفاسد ، يجب أن يكون فيه مبدأ ميل مستقيم ، والأفلاك وما فيها لوجود مبدأ ميل مستدير فيها ، لا يمكن أن يكون فيها مبدأ ميل مستقيم ، للتنافي بين الميلين ، وإذا لم يمكن أن يكون فيها مبدأ ميل مستقيم ، فلا يمكن أن يطرأ عليها ما هو لازم ذلك من التغير والفساد.
ولذلك فرعوا على عدم إمكان الحركة المستقيمة فيها ، وكذا على أن الحركة المستقيمة لو جاز عليها لجاز أن تكون إلى فوق وسفل أيضا ، وقد ثبت عندهم أن المحدد لذلك ، هو الفلك ، فيلزم أن يقع الحركة المستقيمة إلى جهة محددها. أي الفلك الذي فرض فساده ، فيلزم وقوع الحركة إلى جهة من غير محدد لتلك الجهة ، عدم إمكان قبولها لطروء الخرق والالتيام والتخلخل والتكاثف ، وأمثال ذلك مما لا يمكن حصوله إلا بالحركة.
ومثل ما ذكروه من عدم إمكان ضد لصور الأفلاك ، فكيف يطرأ عليها الفساد الذي هو يكون بطروء أضدادها عليها. وأن موادها مخالفة بالنوع لمواد الكائنات الفاسدات ، فلا تقبل فساد صورها عنها ونحو ذلك مما ذكروه في كتبهم ، فإن ذلك كلها وجوه ضعيفة فاسدة ، كما هو مبين في كتب أهل الشرع من العلماء. ونحن أيضا في تعليقاتنا على الشفاء قد بينا فساد تلك الوجوه بما لا مزيد عليه ، فليطالع ثمة.
غاية الأمر أن موادها وصورها لكونها مخالفة من بعض الجهات لمواد العنصريات
পৃষ্ঠা ২৩৪